Entre mareas y corrientes: Páginas sobre lenguaje, literatura, arte y civilización
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Géneros
ولو اقتصرنا على لغتها دون غيرها ألا تذكر «الإجبشن ميل» أن الإنجليز أنفسهم يفضلون الكلمة السكسونية الأصل على الكلمة اللاتينية؟ وأن كبار كتابهم إذا وجدوا أمامهم كلمتين اثنتين تؤديان المعنى تماما إحداهما سكسونية، والأخرى لاتينية سارعوا إلى استعمال الكلمة الأولى؛ لأنهم يرونها أفصح وأبلغ؟
فلماذا ينكر علينا ما هو في نظرهم عين البلاغة وكل الحق؟
ما زلنا في الموضوع
يظهر أن إخواننا السوريين سواء في الوطن والمهجر، قد وصلوا إلى دور إنشاء الروابط وتأليف المجامع؛ ففي نيويرك «الرابطة القلمية»، وفي دمشق «الرابطة الأدبية»، وفي بيروت «المجمع العلمي»، وكلها خطوات صالحات ننظر إليها نظرة الرضى والاستحسان. إن لمثل هذه المجامع تأثيرا في اللغة من حيث: التنقية والصقل، فضلا عن الإنعاش والتنشيط.
عندما أقرأ الكثير مما يكتب في هذه الأيام أقف حائرة وبي استفهام، ما عسى يكون حكم الأجيال المقبلة علينا؟ إني أشعر في أكثر مطالعاتي العربية بأني في ماضي اللغة العربية أو في مستقبلها؛ في ماضيها مع المحافظين الجامدين، وفي مستقبلها مع المتهورين المجازفين.
ولكن أين نحن من حاضرها؟ وما اسم اليوم الذي نحن فيه؟ إن السير على الأساليب العتيقة وتقييد الفكر بالاستعارات المتحجرة من جهة، والمجازفة في اعتناق كل جديد دون بحث ولا تمحيص من جهة أخرى؛ يوقفاننا في موقف الحيرة والقلق، ويجردان أدبنا العصري من طابع تطبع به الآداب عادة في كل دور من أدوارها.
ولئن حق الانتقاد على دعاة الأسلوب العتيق الذين كأنهم ينكرون أنهم ولدوا بعد أولئك القدماء بعصور، فليس ثمة ما يسوغ إفساد اشتقاق اللغة وتصريفها والتساهل في قواعدها أو القضاء على روحها.
إنما الغرض من اللغة أن تكون آلة صحيحة لإظهار ما يراد إظهاره من فكر وعاطفة وبيان. إنما الغاية منها إيصال المعنى الذي وضعت لأجله، والتردد في التعبير كثيرا ما يكون ترددا في ما وراءه من مادة فكرية وإنشائية، فإذا وصلت أقلية راقية إلى الكمال النسبي فكرا وتعبيرا، وتيسر لها أن تكون ذات أثر في بيئتها؛ قامت تحتذيها خاصة المتعلمين، فاحتضنت أساليبها وتعلمت منها البحث عن أساليب جديدة.
وهذه الأقلية تؤثر بدورها في غيرها، فيظل تفاعل الفكر واللغة في اطراد لمصلحتهما معا؛ لأن هذا التفاعل أي: تهذيب الفكر عن طريق التعبير، وتهذيب التعبير عن طريق الفكر، عامل أولي في تكوين آداب الأقوام وتطورها بمقتضى ما يحيط بها من الأحوال، وما يستحثها ويوحي إليها من المؤثرات. •••
ولكن لماذا دعوا مجمع بيروت «المجمع العلمي»؟ أليس أنه تألف للبحث في شئون اللغة والنهوض بالآداب العصرية؟ فما «للعلم» وله والحالة هذه؟!
Página desconocida