Entre la religión y la filosofía: En opinión de Averroes y los filósofos de la Edad Media
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Géneros
34 •••
وإذن إذا كان الأمر هكذا، أي: إذا كان الإنجيل قد حوى ما هو حق من الفلسفة اليونانية، بل حوى حقائق أخرى لم يصل إليها هؤلاء الفلاسفة اليونان، وكان الإنجيل إذا أخذت نصوصه كلها حرفيا لا تظهر منه هذه الحقائق، كان لا بد من تأويل بعضها ليظهر ما فيها من المعاني الخفية الفلسفية، وهذا الموقف، والأمر كما ذكرنا، هو ما وقفته الكنيسة من أول أمرها، حيث قبلت مبدأ احتمال بعض النصوص معاني متعددة، ووجوب التأويل أحيانا حسب ما تعارف اليهود قبلهم عليه من قواعد وأصول.
حقا إنه يعود إلى مدرسة الإسكندرية مبدأ تعدد معاني الكتاب المقدس، ومبدأ التأويل المجازي لبعض نصوصه، هذا التأويل الذي ساد في العصر الوسيط وبخاصة في القرون الأولى منه، والمثل في هذا لا تعوزنا بحال.
هذا هو «كليمان
Clément » الإسكندري، المتوفى نحو سنة 220م، يرى تأويل ما جاء في الكتاب عن قصة خلق العالم في ستة أيام؛ لأن الله - كما يقول - لم يخلق شيئا في الزمان الذي لم يوجد إلا مع العالم نفسه.
35
وطريق التأويل الذي اختطه كليمان نرى «أوريجين
Origène » يسير فيه بأكثر جرأة وثباتا وعزما؛ إنه يعتبر - مثل فيلون - المعنى الحرفي الظاهر كالجسم، والمعنى المجازي الخفي كالروح، كما يؤول كل نص يفهم منه حرفيا التجسيم في الله، وكذلك ما جاء في قصة التكوين عن خلق العالم في أيام ستة، وعن الجنة الأرضية، وخلق حواء من ضلع من أضلاع آدم، وما استتر به آدام وحواء من أوراق الشجر التي اتخذاها بعد أن ذاقا الشجرة المحرمة ثيابا منهما تستر العورة.
36
وهذا التأويل من أوريجين لما ذكرناه ونحوه لم يعد شيئا نكرا في أيامه؛ لأنه كان من المجمع عليه تقريبا من آباء الكنيسة في القرون الخمسة الأولى، تأويل قصة الخلق في ستة أيام تأويلا مجازيا، كما يذكر الأب مارتان.
Página desconocida