Entre la religión y la filosofía: En opinión de Averroes y los filósofos de la Edad Media
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Géneros
وأخيرا؛ نرى ابن رشد يؤكد تحريم الخوض في أمثال هذه المسائل التي أثارها الغزالي بالنسبة للجمهور، ويلوم الغزالي أشد اللوم على تصريحه بالحكمة لمن ليس من أهلها، فجعلها مشاعة لجميع الناس ومنهم من يضر بها.
وبالانتهاء من هذا الفصل يكون قد انتهى القسم الأخير من البحث كله، فلا يكون باقيا علينا إلا بيان النتائج التي وصل إليها ابن رشد في سبيل التوفيق بين الدين والفلسفة، وفي سبيل إقالة الفلسفة مما أصيبت به ورد اعتبارها إليها.
وهنا علينا أن نتبين هل نجح فيلسوفنا فيما أراد؟ وما مدى هذا النجاح وأثره؟ وما هي العوامل التي حالت دون نجاحه النجاح الذي كان يرجوه، وذلك بعد أن أنفق ما أنفق من جهد؟ وبهذا يكون البحث قد انتهى إلى غايته. •••
وخطة البحث هي - كما يستنتج مما تقدم - هي الخطة التاريخية التحليلية المقارنة؛ فإن أهم ما ينبغي أن يعنى به مؤرخ الفلسفة هو استعراض التطور التاريخي للفكر الإنساني في كل نظرية فلسفية لها أهميتها، وليس له أن يطلب من التاريخ الذي يستعرضه ويسجل تطوراته دروسا تقودنا في التفكير في العصر الذي نعيش فيه، أو حلولا للمشاكل الفلسفية التي تتطلب منا اليوم حلولا لها.
فإنه كما يقول «رينان» بحق: «ما ينبغي أن نطلب من الماضي إلا الماضي نفسه، وإن التاريخ السياسي قد صارت له مكانته الشريفة المرموقة منذ انتهينا عن أن نبتغي فيه دروسا في المهارة والأخلاق السياسية، ومن ثم يتركز تاريخ الفلسفة في عمل لوحة تبين لنا التطور المتتابع للفكر الإنساني، لا أخذ ما يمكن أخذه من التعاليم الواقعية.»
3
ومن أجل ذلك، رأينا من الواجب علينا أن نجتهد عند بحث كل نظرية من نظريات ابن رشد الهامة، التي يقوم عليها البحث أو تتصل به، نجتهد في إرجاعها إلى أصلها إن كان أفادها من غيره، ومقارنة رأيه بآراء سابقيه، وتحليل العوامل والأسباب التي أدت به إلى تكوين آراء خاصة به في بعض المشاكل، أو اتخاذ طريق خاص في معالجتها.
وسنفعل ذلك فيما ذهب إليه فيلسوف قرطبة من التأويل، تأويل نصوص القرآن والحديث التي تتصل بالفلسفة، وتقسيم الناس إلى طبقات لكل منها طريقة خاصة في فهم الدين وفي المعرفة، تناسب عقلها ومداركها، والأمر كذلك حين نقارن مذهبه وطريقته في هذه الناحية بما كان من أفلاطون وفيلون، وحين نقارن مواقفه في مسائل الدين والفلسفة بآراء سابقيه من المتكلمين والمفسرين والفلاسفة، وفي غير هذا وذاك كله حين تدعو حاجة البحث إلى التحليل والمقارنة.
كما سنحلل الدوافع التي دفعت الغزالي إلى الرد على الفلاسفة والتنكيل بهم، والتي جعلت ابن رشد ينصب نفسه للدفاع عن الفلسفة وبيان اتفاقها مع الدين، بل أخوتها له، وسنقارن بين جهوده في هذه الناحية وبين موقف الفارابي وابن سينا أولا، ثم بين موقف ابن باجة وابن طفيل ثانيا، فقد أحس هذان ثقل وطأة الغزالي على الفلسفة والفلاسفة، ومع هذا لم يعملا تقريبا شيئا ذا بال في الرد عليه.
وفي كل ذلك رأينا بصفة عامة ألا يكون حكمنا فيما يكون مستوجبا للحكم من مشاكل البحث ومسائله، صادرا عن العاطفة أو الرأي الشخصي؛ لأن المذهب الشخصي لمؤرخ الفلسفة الذي يروي قصة صراع المذاهب الفلسفية ومدارسها - كما لاحظ الشهير «رينان» - يزيف في الأكثر من الحالات حكمه ويبطله، ويفسد اللوحة التي يرسمها لهذا الصراع؛ لأن الحكم النقدي يتنافى مع الحكم القطعي.
Página desconocida