Entre la religión y la filosofía: En opinión de Averroes y los filósofos de la Edad Media
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Géneros
ذلك بأن الذي لا يكتفي بالرواية والاعتماد على ما يرويه، بل يعمل عقله ويجتهد في البحث عن علل الأحكام الشرعية، لا يكون بعيدا عن الفلسفة، بل يكون قد دخل فيها من أحد أبوابها، وإذن فمن الممكن أن نرى في ابن رشد الفقيه في هذه المرحلة، ابن رشد الفيلسوف فيما يأتي من الزمان.
وثالثا:
إن الدين في رأيه يرمي بشعائره وأوامره إلى غايات خلقية واجتماعية بها صلاح المجتمع وسعادته، وهذه النظرة نراها واضحة تمام الوضوح في خاتمة كتابه القيم «بداية المجتهد ونهاية المقتصد». فقد بين في هذا الموضع أن من أوامر الدين وأحكامه ما يرجع إلى تربية الفضائل النفسية، ومنها ما الغرض منه تثبيت العدالة الخاصة والعدالة العامة في الأقوال وغير الأقوال، ومنها ما هو سنن واردة في الاجتماع الذي هو شرط في حياة الإنسان وحفظ فضائله العملية والعلمية، إلى آخر ما قال.
وهكذا نلمح هذه النظرية الفلسفية الاجتماعية في كثير من آرائه الفقهية، وذلك في كثير من المواضع من هذا الكتاب.
ورابعا وأخيرا:
إن فيلسوفنا كان ذا حظوة وجاه عظيمين عند الأمراء والخلفاء، فلم يفد من ذلك كثيرا لنفسه، بل قصر هذا على خير أهل بلده خاصة والأندلس عامة، والأمر في ذلك جد طبيعي.
إنه قد وهب نفسه للعلم، وجعل غايته معرفة الحقيقة، ولذته في أن يدرك من هذه الحقيقة طرفا بعد طرف، وقد صارت هذه اللذات هي التي تستهويه حتى لا يوازن بينها وبين لذات جمع المال ورفاهة العيش وطيب الحياة.
ومن ثم، هو لا يبالي هذه اللذات المادية وأمثالها، ما دام قد جعل همه المعرفة الحقة وما يكون في إدراكها من لذة عقلية روحية هي أسمى ضروب اللذات، ومن أجل هذا كانت نزعته الإنسانية الاجتماعية، فهو يجد لذة أخرى في أن ينفق من جاهه وماله على المحرومين من اللذات العقلية التي ينالها بعقله وتفكيره.
والآن بعد أن عرفنا حياة ابن رشد والبيئة التي كان يعيش فيها وحظه الوافر من العقل والتفكير، وبعد ما عرفنا أيضا ما كان من حظ الدراسات الفلسفية من رعاية وتقدير، أو زراية وإنكار، ومع ما كان يلمسه هو نفسه من سوء الظن بالفلسفة ورجالها وطلابها، الآن بعد ذلك كله ماذا كان يحسه رجل مثله: عقلا وتفكيرا، ومنصبا وجاها، وحبا للفلسفة وتقديرا لها وحرصا على تأمين سبيلها ببيان أنها أخت الدين؟
إنه كان يحس بلا ريب أن عليه أن يتجه للانتصاف لها بعد أن نال منها الغزالي نيلا كبيرا، وأن يعمل كل ما يستطيع للتوفيق بينها وبين الدين حتى يعيش الفلاسفة بسلام، إلا أن أحداث الزمن لم تجعله يصل من ذلك إلى ما كان يرجوه. (2) نكبته ونفيه
Página desconocida