Entre la religión y la filosofía: En opinión de Averroes y los filósofos de la Edad Media
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Géneros
ولكن لا ينبغي أن نفهم من هذا أن الغزالي هو الذي بدأ الهجوم على الفلاسفة، ذلك بأن المتكلمين من أهل السنة، وقد رأوا ضرورة خصومة المعتزلة لإعطائهم العقل حرية أكثر مما ينبغي في فهم بعض العقائد الدينية (صفات الله، والصلاح، والأصلح مثلا)، رأوا بالأولى ضرورة حرب الفلاسفة منذ بدء تكون المدرسة الفلسفية في الإسلام، ونستطيع أن نذكر من هؤلاء المتكلمين بعد الإمام أبي الحسن الأشعري الأشهر، إمام الحرمين الجويني شيخ الغزالي وبخاصة في علم الكلام والجدل.
حقيقة إن الغزالي يذكر لنا في كتابه «المنقذ من الضلال» أنه لم يعرف أحدا من علماء الإسلام صرف همته لتحصيل الفلسفة والرد عليها قبله، ولكنا سنرى الآن أنه كان قبل الغزالي من عني في كثير من المسائل الدينية النقدية بالرد على أصحاب الآراء الضالة في رأيهم، سواء أكانوا عرفوا بأنهم فلاسفة أم ملاحدة.
هذا هو إمام الحرمين يذكر في كلامه على «حدوث العالم»: «والأصل الرابع يشتمل على إيضاح حوادث لا أول لها، والاعتناء بهذا الركن حتم، فإن إثبات الغرض منه يزعزع جملة مذاهب الملحدة، فأصل مذهبهم أن العالم لم يزل على ما هو عليه، ولم تزل دورة للفلك قبل دورة إلى غير أول، ثم لم تزل الحوادث في عالم الكون والفساد تتعاقب إلى غير مفتتح، فكل ذلك مسبوق بمثله.»
3
كما نراه أيضا يذكر في معرض كلامه عن إثبات العلم بالصانع: «وباطل أن يكون (يريد المخصص الذي خصص العالم بالوجود في وقت دون آخر بدل استمرار العدم) جاريا مجرى العلل، فإن العلة توجب معلولها على الاقتران؛ فلو قدر المخصص علة لم يخل من أن تكون قديمة أو حادثة، فإن كانت قديمة، فيجب أن توجب وجود العالم أزلا، وذلك يفضي إلى القول بقدم العالم، وقد أقمنا الأدلة على حدوثه، وإن كانت حادثة افتقرت إلى مخصص ثم يتسلل القول في مقتضى المقتضى.»
4
وهذا النوع وذاك من الجدل والاستدلال، في معرض الرد على من قال بقدم العالم وعدم حاجته إلى صانع، سنجدهما قريبا لدى الغزالي.
ومثل ثان يدلنا على استمداد الغزالي من سابقيه، نأخذه من كلام أبي الحسين الخياط المعتزلي في رده على ابن الراوندي الملحد؛ إنه يذكر في صدد الكلام عن علم الله تعالى: «الصحيح من القول هو أن الله، جل ثناؤه، كان ولا شيء معه، وأنه لم يزل يعلم أنه سيخلق الأجسام وأنها ستتحرك بعد خلقه إياها وتسكن، فهو جل ذكره لم يزل يعلم أن الجسم قبل حلول الحركة فيه سيتحرك، ويعلم أنه في حال حلول الحركة فيه متحرك، ومما يبين ذلك أن النبي
صلى الله عليه وسلم
لو أعلمنا يوم السبت أن زيدا يموت يوم الأحد، لكنا يوم السبت نعلم أن زيدا قبل حلول الموت فيه سيموت يوم الأحد، ونعلم أيضا أنه ميت يوم الأحد إذا حل الموت فيه.»
Página desconocida