Entre el león africano y el tigre italiano: un estudio analítico, histórico, psicológico y social del problema etíope italiano
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
Géneros
3
واستدل العلماء أن العرب من بدء الهجرة عرفوا أكثر بلاد أفريقية، ووصلوا إلى منابع النيل، وتوغلوا في بحيراتها وغاباتها ومجاهلها، وكانت حتى أواسط القرن الماضي يجهلها الإفرنج، ووطئت أقدام الفاتحين من العرب تلك البلاد السحيقة قبل أن تطأها أقدام السياح المتأخرين، وكانت لهم تجارة واسعة في أفريقية كلها، وملكوا الصومال، وجوبع، وممبسة، وزنجبار، وموزمبيق، وكومورو، وانتشرت عندهم النخاسة كما كانت منتشرة عند اليونان والرومان والأوروبيين والأمريكان.
ولما ضعفت شوكة العرب، ونبذوا العلوم والمعارف، وتركوا أسباب التجارة، واشتد ساعد البرتغال جهزوا السفن والرجال في أواخر القرن الرابع عشر، وأرسلوها إلى سواحل أفريقية الغربية والجنوبية والشرقية، وطردوا العرب منها.
وتربط المسلمين بالحبشة أمور شتى؛ أولها مصالح التجارة، قال صفوان بن أمية: «وإنما حياتنا بمكة على التجارة في الصيف، وإلى الحبشة في الشتاء.»
ولما قبض الله خديجة بنت خويلد تزوج الرسول من سودة بنت زمعة أرملة السكران بن عمرو بن عبد شمس، ولم يرو راو أن سودة كانت من الجمال، أو من الثروة، أو من المكان بما يجعل لمطمع من مطامع الدنيا أثرا في زواج محمد منها، إنما كانت سودة زوجا لرجل من السابقين إلى الإسلام الذين عذبوا وهاجروا إلى الحبشة وهاجرت معه زوجته، وعانت معه ما عانت، فتزوجها محمد ليعولها، وليرتفع بها إلى مقام أمهات المؤمنين.
ولما أرسل النبي إلى ملوك الأرض وفودا وكتبا بختمه يدعوهم إلى الإسلام، ومنهم هرقل الروم، ومقوقس مصر، وكسرى الفرس، لم يغفل النجاشي، فكان رد النجاشي جميلا لطيفا، خصوصا بعد ما كان بينه وبين المسلمين الذين هاجروا إلى بلاده، وأقاموا في جواره.
ويظهر أن عاطفة ود صحيح قد نمت بين النبي وبينه، حتى زعم بعضهم أنه أسلم، ولكن هذا خبر مبالغ فيه، غير أن النجاشي لم يقصر في حمل المهاجرين من المسلمين بزعامة جعفر بن أبي طالب، ومعهم رملة بنت أبي سفيان (أم حبيبة).
ولما عادت أم حبيبة من الحبشة أصبحت من أزواج النبي ومن أمهات المؤمنين. وقد علل المؤرخون هذا الزواج بأسباب كثيرة؛ منها أن محمدا أراد الارتباط بأبي سفيان، ومنها أنه أراد كيده وهو في وثنيته قد دخلت ابنته في دار خصمه الألد صاحب الدين الجديد.
والسبب الصحيح في زواج النبي من أم حبيبة هو رغبته في مكافأتها على ثباتها في دينها، والأخذ بيدها بعد تنصر زوجها، ثم ما رآه فيها من الذكاء الخارق، وحضور البديهة، وسرعة الخاطر، وصدق المشورة في الأزمات، سواء أكانت في الهجرة، أو في الوطن، أو في الحرب، أو في السلم؛ فإنها هي التي دبرت كثيرا من شئون المهاجرين في الحبشة، وهي التي ردت كيد عمرو بن العاص في نحره عندما أراد الدس للمسلمين عند النجاشي،
4
Página desconocida