Entre la religión y la ciencia: Historia del conflicto entre ellas en la Edad Media en relación con las ciencias de la astronomía, geografía y evolución
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
Géneros
أثمرت أول الدسائس التي دبرها أعداء «غاليليو» ثمرة مباشرة الأثر إذ حرم بيع كتابه، ولكنهم سرعان ما رأوا هذه الوسيلة غير مجدية نفعا؛ لأن الطبعة الأولى من الكتاب كانت قد انتشرت في كل بقاع أوروبا؛ وهنا تضاعف سخط «أربان الثامن» وزاد غيظه، ولم يكن لديه من سبيل يتبعه إلا أن يضع «غاليليو» ومؤلفه بين يدي محكمة التفتيش، وعبثا حاول «كاستللي» البنيديكتي أن يقنع غيره بأن «غاليليو» يحترم الكنيسة، ولا يهزأ بمبادئها، بل سدى ضاعت كل جهوده في سبيل أن يثبت لرجال الكنيسة «أنه ما من شيء يمكن عمله الآن من شأنه أن يمنع الأرض عن الدوران.» ولكنه طرد مغضوبا عليه مقصيا به عن الكنيسة، وقسر «غاليليو» على أن يقف أمام تلك المحكمة المهيبة المخيفة واحدا فردا بلا مدافع أو نصير، وهنالك عذب مرارا عديدة بأمر البابا «أربان الثامن» وهذه حقيقة طالما خفي على العالم أمرها، ولكنها عرفت الآن وفضح سرها. وكذلك اتضح من المستندات التي حفظت حتى اليوم عن محاكمته، أنه حمل على أن ينكر مشايعته لمذهب «كوبرنيكوس» تحت تأثير التهديد والوعيد، وأنه سجن بأمر البابا بيد أن رءوس محكمة التفتيش يرجعون في كل هذا إلى السلطة البابوية وكل تلك الجهود العظيمة التي بذلت في سبيل أن تخفي الكنيسة الإجراءات قد ذهبت سدى وكل العالم اليوم إنما يعلم علم اليقين بأن «غاليليو» قد أهينت كرامته، وسجن وهدد تهديدا هو العذاب الجسماني بعينه، وأنه قسر أخيرا على أن يعلن جاثيا على ركبتيه، الاعتراف الآتي:
أنا غاليليو، وفي السبعين من عمري، سجين جاث على ركبتي، وبحضور فخامتك، وأمامي الكتاب المقدس الذي ألمسه الآن بيدي، أعلن أني لا أشايع - بل ألعن وأحتقر - خطأ القول وهرطقة الاعتقاد بأن الأرض تدور.
12
إنه ولا شك قد غلب على أمره؛ لأنه قسر على أن يظهر أمام كل الأجيال القادمة بمظهر الحانث في قسمه بعد مغلظ الأيمان. ومن أجل أن يتم انتصارهم عليه، وأن يثلموا ما بقي له من شرف النفس، اضطر على رغم منه أن يقسم بأن يبلغ إلى محكمة التفتيش أمر كل رجل من رجال العلم يمكن أن يعرف عنه أنه يؤيد هرطقة القول بدوران الأرض.
ولقد أثار قسم «غاليليو» هذا عجب الكثير من الناس، حتى إن ذلك كان سببا في أن ينكر عليه بعض أبناء عصره لقب «الشهيد»، غير أن هؤلاء الرامين عن قوس الشعور بما يقولون، لم يقدروا ظروف الرجل قدرها. فقد كان شيخا كبيرا عمر إلى السبعين من السنين المثقلة بالهموم والأحزان، وقد حطمته آمال الدنيا ومخاوفها، وهدمته متاعبها وواجباتها، وكم سعى متلهفا من «فلورنسا» إلى «روما» مكبا على وجهه، ونصب عينيه تهديدات البابا بأنه إذا تأخر عن القدوم «أخذ في الإغلال» وكان فوق ذلك مريض الجسم والعقل، سليم إلى أعدائه بيد الغراندوقة التي كان من الواجب أن تحميه وأن تحيطه بعنايتها، ولم يكد يبلغ روما حتى احتوته غرف التعذيب وانصبت عليه الآلام ألوانا، ولقد كان يعرف جيدا ما هي محكمة التفتيش وكان يلوح له شبح «جيوردانو برونو» بين اللهيب ماثلا أمامه كأنما ذلك كان بالأمس الفارط، وفي نفس تلك المدنية ومن أجل «هرطقة» العلم والفلسفة. وكان يتذكر أنه من قبل ثمانية أعوام أحيط برئيس أساقفة «سبالاترو»
Spalatro «ده دومينيس»
De Dominis
وسلم إلى محكة التفتيش متهما «بهرطقة العلم» وبقي بين براثنها حتى مات في جوف السجن، وأنه أحرق بعد موته ما كتب على مرأى من المؤمنين.
ولقد استمر اضطهاد «غاليليو» كل أيام حياته. كلا، بل بعد مماته؛ لقد بقي في المنفى بعيدا عن أسرته، بعيدا عن أصدقائه، مقصيا به عن صناعته النبيلة، وقسر على أن يظل خاضعا لعهده بأن لا يتكلم في نظريته. ولما أن توسل إلى أعدائه وهو بعد يعاني أشد آلام المرض وأعظم تباريح السقام، مقرونة بأقصى الآلام النفسية التي سببتها الكوارث التي نزلت بأسرته، طالبا أن يمنح من الحرية قدرا ضئيلا، كان التهديد بإلقائه في غيابات السجن على ملتمسه الصغير جوابا. ولما أن قررت لجنة خاصة عينتها السلطات الدينية بأنه أصبح أعمى لا يبصر، وأنه ذهب ضحية المرض والحزن، منح بعض الحرية ولكن بحدود جعلت تلك الحرية استعبادا. ولقد أجبر على أن يواجه هجمات أعدائه على نفسه وعلى نظريته، هجمات الازدراء والسخرية والتضليل، من غير أن ينبس ببنت شفة أو يحرك بالرد لسانا، ورأى الذين محضوه الصداقة والحب والاحترام، ينزل بهم العقارب الصارم والظلم الفادح، فنفي «شيامبولي»
Ciampoli «كاستللي» ورأى «ريشياردي» رئيس البلاط المقدس و سكرتير البابا، يبعدهما «أربان الثامن» عن وظيفتيهما محقرين. ورأى عضو محكمة التفتيش في «فلورنسا» يوبخ أقذع توبيخ؛ لأنه أمر بطبع كتابه. وعاش ليرى الحقائق التي استكشفها تكتسح من كل الكليات الكنسية ومن كل جامعات أوروبا، بل ليرى عضو محكمة التفتيش يأمر بأن يستبدل كل نعت طيب يردد به ذكره في أي كتاب يراد طبعه، بأخبث النعوت وأحط الذكريات.
Página desconocida