Entre la religión y la ciencia: Historia del conflicto entre ellas en la Edad Media en relación con las ciencias de la astronomía, geografía y evolución
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
Géneros
ولم يفش فكرته تلك إلا لرجل واحد؛ إذ باح بها للدكتور «يوسف هوكر»
Joseph Hooker ، فقد قدم له سرا في سنة 1844 ملخصا بالنتائج التي وصل إليها ومضى على ذلك أربعة عشر عاما حتى سنحت الفرصة التي أوحت إليه بأن زمان الإفصاح عن فكرته قد آن، وذلك بعد أن وصل خطاب من ألفرد روسيل وولاس
Alfred Russell Waliace ، وكان قد وصل بعد أبحاث مبتكرة مستفيضة خلال عقد كامل من الزمان - 1848 إلى 1858 - قضاه متنقلا بين بلاد البرازيل وأرخبيل الملايو، إلى نفس الفكرة في النشوء بالانتخاب الطبيعي. ومن بين البراهين الناصعة على أن الدرس العلمي لن يضر بشيء في مختلف صور العواطف الإنسانية، تلك القصة العجيبة التي يرويها تاريخ العلم عن ذلك الخطاب الذي أرسل به «وولاس» لإنجلترا. فقد أرسل «وولاس» مع هذا الخطاب مذكرة «لداروين» وسأله أنه يعرضها على جمعية لينيوس العلمية. فلما استوعبها «داروين» وجد أن «وولاس» قد وصل مستقلا عنه إلى نتائج تقرب من النتائج التي وصل إليها. ومعنى هذا أنه كاد يحرمه من كل صيت علمي ظل يعمل له عشرين عاما طوالا. غير أن داروين كان وفيا لصديقه كما ظل صديقه وفيا له فيما بعد وعلى طول الأيام. فلم يتردد في أن ينشر مذكرة «وولاس» مشفوعة بالنتائج التي وصل إليها. وكان تاريخ نشر هذه الوثائق - أول يولية سنة 1858 - فاصلا بين عصرين تاريخيين، لا في العلم الطبيعي وحده بل في الفكر الإنساني برمته.
وفي السنة التالية - 1859 - صدر الجزء الأول من مؤلفاته النشوئية كاملا؛ إذ أصدر كتابه «أصل الأنواع»
The Origin Of Species ، وفي هذا الكتاب استطاع داروين أن يكشف على الأقل عن سر واحد من أسرار النظام النشوئي الذي كلت دون الإفصاح عنه جهود الباحثين والفلاسفة منذ عصر أرسطوطاليس؛ فإن مؤثر النشوء الميكانيكي قد أفصح عنه خلال هذا الكتاب بثلاث حقائق دائمة التأثير في طبائع الكائنات الحية. في التناحر على البقاء بين العضويات، وفي بقاء الأصلح، وفي الوراثة. ولقد استعرضت هذه الحقائق في قالب دقيق من البحث والتنقيب زكته قوة الملاحظة والصبر والأمانة وصحة الحكم والقدرة على التمييز، فلم يمض على نشرها عهد قصير حتى استلفتت أنظار العالم كله. وحسبك أنها نتيجة عمل ظل متواصلا ثلاثين عاما طوالا. وثمرة لتفكير نابغة من النوابغ الذين قلما يجود الدهر بأمثالهم. كلا بل كان أكثر من هذا. كان نتاجا لجهد رجل نابغة آخر عاش منذ خمسين سنة مضت قبل ظهور «أصل الأنواع» هو «توماس روبرت ملتوس». فإن كتابه في «مبادئ الإحصاء وزيادة عدد السكان» الذي بناه على قاعدة أن الحيوانات إنما تتزايد بنسبة رياضية. وأنها إذا لم يقف سبيل زيادتها عاملا من العوامل، فإنها تسد فضاء الأرض بما وسع، كان قد نسي وترك أمره، بل كان يشار إليه بهزة كتف أو ابتسامة سخرية. غير أن نبوغ «داروين» قد استخلص منه معنى أعمق وفكرة أدق، وبجهده اشتركت فكرة «ملتوس» في دفع التيار بأقصى ما جرى تيار من الفكر في كل العصور. فإن «داروين» لما أخذ يتأمل في نظرية «ملتوس» ليطبقها على ملاحظاته ومشاهداته الطبيعية مع ما رأى من خصب الطبيعة في إنتاج الأحياء؛ استطاع أن يصل إلى نظريته في الانتخاب الطبيعي وبقاء الأصلح.
لما أن تصدع السد المذهبي الكبير الذي كان قائما بين وجهتي النظر القديمة والحديثة تلقاء أصل الكون ونظامه، مد فيضان الفكر وعلا فوق شواطئ الدنيا برمتها، فأحيا كثيرا من النباتات في كل حقل من حقول الفكر والاستنتاج العقلي؛ لهذا توالت طبعات الكتاب، وترجم إلى اليابانية
28
حتى لقد لاحظ العالم أن تحجر الفكر العلمي الذي نعاه المؤلف الكبير «بوكل»
Bouckle
منذ سنوات. قد اختفى متنحيا من الميدان ليحل محله نشاط فكري قبل أن أثمرت صورة من صور النشاط التي انتابت الفكر الإنساني بمثل ما أثر في كل العصور. فإن مجموعات من الحقائق العلمية التي استجمعت على مر الزمان، وظن من قبل بأنها عقيمة ولا فائدة منها، قد أحييت وانتعشت، بل إن حقائق ثابتة لم يعرف لها العلماء معنى أو فائدة، قد فسرت وعرفت معانيها الصحيحة من معجم الطبيعة. وتحت هذا التأثير الجديد هب فريق كامل من شباب المتعلمين واحتل كل منهم ناحية من نواحي البحث الطبيعي وافقت مشربه ولاءمت هواه. وظهرت على إثر ذلك الكتب المبتكرة الناضجة، دبجتها أقلام رجال من مختلف الأمم. وحسبك أن تعرف أن مؤلفيها كانوا من أمثال سبنسر وولاس وهكسلي وغالتون وتندول وتيلور ولابوك وبيجهوت ولوويس في إنجلترا. وفئة من أكبر كتاب ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وأمريكا؛ فإنهم جميعا قد أصبحوا بمؤلفاتهم التي أخرجوها من كبار الثقات في كل فرع من فروع علم الحياة. على أن فئة من شيوخ علماء فرنسا قد ظلوا مستمسكين بالفكرة القديمة متأثرين بما كان لكوفييه من سلطة ونفوذ. غير أن هذا لم يعق شباب فرنسا عن أن يقتحم أفراده السبيل إلى عالم النور والعرفان.
Página desconocida