أخذ البيكار الذهبي الذي كان معدا في خزائن الله الأبدية السرمدية ليخطط حدود الكون وكل المخلوقات، ووضع أحد طرفيه في المركز وأدار الطرف الآخر دورة حول تلك الأغوار البعيدة القصية ثم قال: إلى هنا تمتد حدودك، وإلى هنا ينتهي محيطك، أيها الكون.
هذا هو التصور الأورثوذكسي في الأسلوب الذي خلق به العالم.
أما المسألة الثانية التي أنشأها ذلك التصور اللاهوتي، فكانت ذات علاقة «بالمادة» التي صور منها العالم، ومضت الأغلبية العظمى من أهل اللاهوت قانعة بأنه لم توجد مادة ما قبل خلق الكون، وأن «الله خلق كل شيء من لا شيء.»
من اللاهوتيين فئة خصت بشيء من الشجاعة والإقدام، أشاروا - اعتمادا على النصوص الأولى التي وردت في سفر التكوين - إلى فكرة أخرى مغايرة لتلك الفكرة، ومؤاداها أن الكتلة المادية قد وجدت قبل وجود الكون، ولكنها كانت «بلا صورة وفي خلاء لا متناه» غير أن هذا المذهب اكتسح صراعا من عالم المعرفة.
أما معتند آباء الكنيسة فكان جليا واضحا إزاء هذا الأمر؛ فإن «ترتيليان»
Tertllian
قد انتحى أكثر الطرائق حزما وشدة إزاء الذين كانوا يعتقدون بأية فكرة مضادة للفكرة التي اعتنقها زعماء الأورثوذكسية، بل أعلن بأنه إذا وجدت أية مادة أولية صنع منها الكون، فلا بد من أن تكون الكتب المقدسة قد أشارت إليها، أما وأن هذه الكتب لم تشر إليها، فإن الله قد أمدنا بأنصع برهان يدلنا على أنه لم يوجد قبل الخلق شيء كهذا، وعلى أسلوب فيه من العسف قدر لم يعرف له مثيل في أي خلاف لاهوتي آخر هدد «هرموجينيس»
Hermogenes
وكان من مؤيدي الرأي القائل بقدم المادة، «بالويلات التي تنصب على أولئك الذين يزيدون على الكلمة القديمة أو ينتقصون منها.»
أما القديس «أوغسطين» - وكان ممن أشار تلميحا إلى الاعتقاد بوجود المادة قبل الخلق - فقد وفق بين ما كان يرى وبين المعتقد السائد في حدوث المادة ببرهان ساذج بسيط؛ إذ قضى «بأنه على الرغم من أن العالم لا بد من أن يكون قد صنع من مادة ما، فإنه من المحتوم أن تكون هذه المادة ذاتها قد خلقت من العدم بداءة ذي بدء.»
Página desconocida