أحسست أن هناك ما يثقل صدري ولا بد من البوح به.
وليس معنى هذا أن قوى قاهرة تدفعني رغما عني إلى هذا العمل، بل الواقع بدأت أفكر معتقدا أن المسألة أصبحت في يدي، وأن عواطف سانتي تجاهي قد نضجت وأصبحت مستعدة هي الأخرى لتقبل حركتي تلك.
عدت إلى البيت، وأمسكت القلم وبدأت أفكر في خطة صغيرة غير بارعة لأنفذ بها ما أريد، ووجدتني أكتب مشروع قصيدة منثورة بالإنجليزية.
لم أكن أعرف ماذا أريد أن أقول فيها، وهل أكذب وأبالغ أم أتحفظ وألجأ إلى الإشارة والرمز؟ لم أكن أعتقد أنني أحبها فعلا، وكنت أريد أن أتلافى ذكر أية أحاسيس متبلورة تجاهها. وكتبت بضع شطرات فوجدت أنها فاترة وأني غير متحمس إلى الكتابة واستحضرتها في خيالي لتلهب حماسي أو على وجه الدقة عدت مرة أخرى أحيا في تلك اللحظات التي كنا فيها في السينما.
دخلنا في الظلام وجلسنا، وحين أضاء النور في الاستراحة وجدت سانتي تحاول إخفاء رأسها في ياقة معطفها فقلت: أهناك شيء؟
فقالت همسا: أخشى أن يرانا أحد.
وتدفقت فرحة مفاجئة في صدري؛ فمعنى كلامها أنها تدرك أنها تفعل شيئا لا يقرها الآخرون عليه، وهذا عين ما أريد؛ فقد كنت أحيانا أسأل نفسي: ألست مغفلا؟ ألا تكون قد قبلت دعوتك للسينما كما يقبلها الصديق من صديقه؟ كلماتها تلك وهمسها وياقة معطفها حين ارتفعت وضعت حدا فاصلا بين الصداقة ودعواتها وبين ما كنا فيه.
وطوال الاستراحة كان كل منا يحاول بشكل تلقائي إخفاء نفسه عن الناس وعن الآخرين، وإذا التقت أعيننا صدفة نخجل ونشيح بأنظارنا، ويعود إلينا القلق والفرح الممزوج بالخوف الذي لا يدعنا نطمئن ولا يدع قلوبنا عن دقها العالي المتواصل.
وأنهيت القصيدة.
لم تكن صدقا كلها ولا كلها محض خيال. في الواقع كانت تعبر بتردد عن إنسان يتردد في التعبير عن نفسه، وكانت مكتوبة على ورقة عادية جدا ومملوءة بالشطب والتعديل.
Página desconocida