وهنا قامت قومة المفزوع، وقالت: يحيى ... يحيى، هل أنت تفسر مجيئي هذا التفسير؟
وطبعا أجبت بكل حروف النفي التي أعرفها وقد رأيت انزعاجها لسؤالي، وقلت على سبيل الكلام، مجرد الكلام: أنا فقط كنت أسأل، مجرد سؤال.
ومن جديد عاد الصمت المشبع يخيم على جلستنا، صمت كنت أخافه وأخشاه وأكافحه بكل ما أستطيع من قوة؛ فقد كنت أخاف أن ينهي جلستنا فتقوم، وأخاف أن أقول كلمة لأقطعه فتجرحها الكلمة ويتعكر الجو، وأخاف إن سكت أن تغير هي موضوع الحديث. أخاف أن أتكلم وأخاف أن أسكت ، وأخاف إن تكلمت هي وأخاف إن سكتت.
ولكن صمتنا هذا سرعان ما قطعه دق الباب.
وتضايقت، وقمت لأفتح وأنا أحاول أن أخمن من يكون الطارق في مثل تلك الساعة، خاصة وبيتي الجديد لم يكن قد عرفه نفر كثير من أصدقائي ومعارفي.
قمت لأفتح فإذا بها لورا، وما كدت أجذب ضلفة الباب حتى دخلت وكأنها تهوي إلى بئر، شاحبة اللون مغمضة العينين، وكأن الأشباح كانت تطاردها.
ولم تترك لي وقتا أو فرصة لإيقافها أو الاعتذار إليها أو الحيلولة بينها وبين الدخول؛ فقد كان من غير اللائق أبدا أن تجد سانتي عندي في مثل تلك الساعة، ولم أكن أريد أيضا أن أقطع حديثي مع سانتي.
وهي على الباب بدأت تتحدث وتقول بصوت لاهث متقطع لا ينقطع: حدثت مصيبة، تصور! والداي لم يبيتا لدى عمتي في مصر الجديدة، لم يجداها، وعادا إلى المنزل ليلة الأمس، وطبعا لم يجداني، ولما لم أعد أبلغا البوليس، يا لغباوتهما! أبلغا البوليس، وحين عدت في الصباح يا لهول ما حدث بي بي بي بي ...
كانت تتكلم وهي تواجهني وتتشنج بيديها وكتفيها علامة المصيبة الكبرى. ولكنها بلفتة واحدة كانت قد رأت سانتي في حجرة المكتب، فتصنعت (أو دهشت حقيقة) هذه الدهشة العظمى وقالت بترحيب مبالغ فيه: أووه ... هاللو.
وطبعا حدث السلام المليء بالحرج والارتباك، وتلاقت العيون بنظرات صريحة ونظرات لا تمت إلى الصراحة أو البراءة بصلة.
Página desconocida