قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في معاني قول أصحابنا: أن الكلام والخطيب ويخطب وبعد فراغه من الخطبة سواء، ولا فرق في ذلك معي في معاني قولهم، ولا شيء يستدل به على ذلك؛ لأنه منذ يقوم الخطيب يخطب فقد ثبت أنهم قد دخلوا في معاني الصمت إلى أن يصلوا، سواء سكت الإمام سكوتا يجوز له أو تكلم في خطبته أو فرغ من خطبته، إلا ما يجوز من أمر الصلاة وبما تقوم به الصلاة [بيان، 15/83]
ومن كتاب الأشراف قال أبو بكر: جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرجل تخطى رقاب الناس: (اجلس فقد أذيت)، واختلفوا فيه، فكره ذلك أبو هريرة وسليمان وسعيد بن المسيب وعطاء ابن أبي رباح وأحمد بن حنبل، وكان قتادة يقول: تخطاهم إلى مجلسه. وقال الأوزاعي يتخاطهم إلى السعة، وكره الشافعي ذلك، إلا أن يكون يخطوه إلى الفرجة لواحد أو اثنين فإني أرجو أن يسعه، وإن كثر كرهته، إلا بأن لا يجد السبيل إلى مصلى إلا أن يتخطى، ويسعه بخطوة إن شاء الله. وفيه قول خامس: وهو أن يتخطى بإذنهم، وروينا ذلك عن أبي نضرة قال أبو بكر: لا يجوز من ذلك شيء؛ لأن القليل من الأذى والكثير مكروه.
قال أبو سعيد: معي أنه يكره تخطي الناس نحو ما مضى ذكره، ومعي أن هذا النهي إنما يخرج على معنى الحجر إذا كان يتخطاهم بأذى محجور يؤلم أحدا فيه، أو مما يلزمه لهم فيه أرش، أو يطلب بذلك معنى يريب، أو معنى يتقدم به على الناس، وأما إذا كان على وجه الأذى المحجور، وكان تخطيه طلب أداء الفرض لا يفوته أو يأخذ موضعه قبل الزحمة التي يخاف منها فوت الصلاة والأذى بأكثر من ذلك، أو لمعنى يصح له غير محجور، فذلك يخطو مما يرجى له الفضل عندي فيه.
/87/في العمل والحبوة وتخطي الناس
Página 127