Batl Fatif Ibrahim
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
Géneros
وعند الصباح استأنف الجيش سيره الجانبي منفصلة أورطه وفرقه بعضها عن بعض. فارتد الترك إلى الوراء وانتشروا على الآكام والروابي خلف معسكرهم القديم، ثم اتجه المصريون إلى ربوة على ميمنتهم وغيروا اتجاه الصفوف، ولكنهم فوجئوا بنصب بطارية كبيرة على الأكمة التي كانت عندنا مفتاح القتال، وحينئذ بدأ المصريون بالهجوم على جميع الخطوط بكل قواهم، وأخذت مدافعهم تطلق النار الدائمة مع الزحف المتواصل إلى الأمام، فانسحب الترك إلى معسكرهم القديم، فلحق بهم المصريون واحتلت مدفعياتهم الروابي، فكانت هزيمة العثمانيين تامة. وغنمنا 144 مدفعا وصناديق ذخائرها، و35 مدفعا في حصون بيره جك، وجميع الخيام من خيمة حافظ باشا إلى خيمة أصغر جندي، ومن 18 ألفا إلى 20 ألف بندقية، وأخذنا من 12 ألفا إلى 15 ألف أسير. ا.ه.
وأبدى الحرس السلطاني مقاومة عجيبة. ولما دعي لإلقاء سلاحه والتسليم، أجاب قائده: «إن الحرس السلطاني لا يلقي سلاحه أمام الموت.»
وقد كان سرور إبراهيم باشا بهذا الفوز عظيما حتى ضم سليمان باشا إلى صدره وقبله، وكان سليمان باشا ليلة المعركة يحض الضباط ويقول لهم: أيها الإخوان الضباط، إني منذ الآن أعين لكم موعد الملتقى غدا، فعند ساعة الزوال يكون ملتقانا تحت خيمة حافظ باشا لتناول القهوة معا. ولم يخطئ سليمان باشا في ضرب هذا الموعد لضباط الجيش المصري.
وأرسل إبراهيم باشا إلى كل وال من الولاة بشرى انتصاره، وأمرهم بإقامة الأفراح مدة أسبوع، وأخبرهم أنه زاحف على قونيه، وقال سليمان باشا للضباط: «أما في المرة الآتية، فإما أن نذهب نحن إلى إستامبول أو يأتي الترك إلى القاهرة.»
وبعد يومين من المعركة وجيش إبراهيم باشا زاحف إلى ما وراء جبال طوروس، وصل إلى معسكره المسيو كايه مندوب وزير خارجية فرنسا وهو يحمل إليه كتاب والده الذي يأمره بالوقوف، فأطاع الأمر ولم يزد على احتلال مرعش وأورفا.
وفي 30 يونيو؛ أي بعد ستة أيام من معركة نصيبين، توفي السلطان محمود، وكان ضعيف البنية مصابا بالعلة الصدرية، ونودي بابنه عبد المجيد سلطانا فأبقى عبد المجيد خسرو باشا في منصب الصدارة. وكان السلطان محمود قد أمر فوزي باشا بالخروج بالأسطول لمعاونة جيش حافظ باشا على القتال، فلما بلغه خبر وفاة السلطان وإبقاء خسرو باشا في منصب الصدارة، وأيقن بأن خسرو باشا هو الذي يحكم لا السلطان الشاب - وخسرو باشا هو عدوه اللدود ، فلا يعدم وسيلة للانتقام منه - فر بأسطوله إلى الإسكندرية وانضم إلى محمد علي باشا.
وهكذا أضاع السلطان محمود حياته وجيوشه وأسطوله في محاربة مصر.
ولما رجع حافظ باشا إلى إستامبول عقدوا مجلسا لمحاكمته؛ لأنه شرع بالهجوم قبل أن يصل إليه الأمر بذلك، فأبرز حافظ باشا كتابا من السلطان بخط يده يأمره فيه بالهجوم. وهكذا كان السلطان محمود يخدع السفراء بالتظاهر بالسلم، في حين كان يصدر أوامره السرية بالحرب. •••
تقدم إبراهيم باشا بعد معركة نصيبين في 24 يونيو 1839، فاحتل أورفا ومرعش وعينتاب، وأرسل أعيان الأناضول يهنئونه ويعربون له عن ولائهم، ولكنه وقف هناك بأمر والده الذي حمله إليه كايه مندوب فرنسا كما كان قد حمل إليه مندوب فرنسا الأمر للوقوف في سنة 1833 في قونيه وكوتاهيه.
وفي 5 يوليو أرسل السلطان عبد المجيد إلى محمد علي يعرض عليه ولاية مصر بالوراثة، فطلب محمد علي هذا الحكم بالتوارث في بيته على جميع البلاد التي كان يتولاها يومئذ. ولكن الدول تفرقت في ذلك آراؤها؛ فروسيا ارتاحت إلى أن يتفق محمد علي والباب العالي، وإنكلترا رأت أن تتفق الدول على نزع سوريا من ولاية محمد على، وهي التي منعته حتى لا يمد يده إلى بلاد الحبشة وطرابلس الغرب، ووضعت يدها على عدن لتقف بوجهه في اليمن، وأبرمت اتفاقا مع إمام اليمن لهذا الغرض، وآخر مع أمراء الخليج الفارسي لتحول دون امتداد سلطانه على بلاد العربية بعدما وصل عماله إلى البحرين، وهي التي حالت دون اتفاقه مع شاه إيران الذي كان يريد محالفته، وهي التي أعلنت بعد ذلك أن تحصر نفوذه في الأرض الأفريقية، وهي التي اقترحت على فرنسا أخذ الأسطول التركي من محمد علي بالإكراه والقوة بعدما سلم هذا الأسطول نفسه في 14 يوليو. ورأت فرنسا أن تضع الدول الاتفاق بين محمد علي والباب العالي ليكون اتفاقا مضمونا.
Página desconocida