أما مذهب «شو» في التربية، فمتفق مع مذهبه في الثقافة على النحو الذي أجملناه.
فهو ينهى عن الضغط والقسر، ولكنه يحث على النظام والترويض، ومما قاله خلال كلامه عن المراهقة: «إنني على يقين أن كل نشاط غير طبيعي للدماغ ضار ككل نشاط غير طبيعي للجسد، وأن إكراه الناس على تعلم ما لا يحتاجون إلى تعلمه كإكراههم على أكل النشارة.
وإن الحضارات ليتطرق إليها التهدم على الدوام من جراء تعليم الطبقات الحاكمة ما يسمونه بالدراسة الثانوية، وهي الدراسة التي تثمر الغباء المطبق كما تثمر العته العقلي والخلقي بإساءة المعلمين توجيه القوى المدركة، وما من طفل يتعلم أن يمشي على قدميه أو يلبس نفسه لو حبست يداه وقدماه بحيث لا يتحرك، إلا إذا أراده على الحركة مربوه.»
وقال في «دليل السياسة للجميع»: «لا أتخيل فيما عدا قانون الجنايات عملا أقسى ولا أضر من إكراه طفل رزق ملكات العالم الطبيعي، أو الشاعر، أو الرسام، أو الموسيقي، أو الرياضي على استعباد نفسه لكرة القدم أو الكريكيت، حيث يحسن أن يتجول أو يشتغل بالتخطيط في الخلاء أو بالمطالعة أو العزف على آلة من الآلات، أو الإصغاء إلى المذياع والفرق الموسيقية.»
إلا أنه يوجب الاعتماد على نظام ما في التعليم، ويقول في الكتاب نفسه: «إن أي نظام للتعليم والتهذيب خير من عدم النظام على الإطلاق، وخطتنا الحاضرة في التعليم ينبغي أن تتبع حتى نستبدل بها ما هو أصلح منها.»
وعلى رأس كل نظام في رأي «شو» أن نعنى بتطبيع الأطفال على العقائد النبيلة والمثل العليا والطموح إلى الترقي بالنظم القائمة إلى ما هو أشرف وأعلى.
وللأطفال حقهم في أسرارهم وخصوصياتهم، فإن أراد الآباء أن يرشدوهم فلا يكن ذلك بإقامتهم أنفسهم قدوة للسير على منهجها، بل بإقامتهم أنفسهم نذيرا بسوء العاقبة.
ويحتاج الطفل كما قال في «دليل السياسة للجميع» إلى «وطن طفلي»، ولا تقتصر حاجته إلى المدرسة والمنزل. فيعيش في «وطنه الطفلي» مواطنا صغيرا يتبع قوانينه وحقوقه وواجباته ورياضاته التي تناسب كفاءة الطفولة كما تناسب قلة كفاءتها.
ومما يجعل «شو» خليقا بفهم الأطفال أنه محب للأطفال خبير بكسب صداقتهم على اختلاف أعمارهم، وعنده كما قال في مقدمة «سوء التوفيق»: أن الطفل مولع بالصحة وينبغي أن يولع بها، «وإنني على يقين أن الناس لو خيروا بين بيت لا تنقطع فيه ضجة الأطفال، وبيت لا تسمع فيه هذه الضجة على الإطلاق، لفضل كل إنسان سليم طيب النحيزة دوام الضجة على دوام السكون.»
وتتلخص التربية إذن في الحرية المنظمة التي تتجه بالطفل إلى المثل العليا، ولا يحول عرفانها بنقائص الطبيعة البشرية دون الإيمان بقدراتها على الصلاح والارتقاء. •••
Página desconocida