فما من إصلاح خليق أن يتم ويكتمل في عالمنا هذا قبل ظهور السوبرمان، واستلامه لزمام الحكم والإرشاد.
فلا غنى للمصلح العظيم عن العمر الطويل والتربية الكافية، ومتى تيسر للإنسانية أن تنجب جيلا من الساسة يعيش أحدهم ثلاثمائة سنة على الأقل، فقد حان موعد الإصلاح المفيد والسياسة الرشيدة. أما قبل ذلك فالمصلح يكاد أن يموت قبل أن يهتدي هو نفسه إلى مواطن الإصلاح وإلى الوسائل الفعالة التي تحقق له ما اهتدى إليه. وما كان مصلح راسخ القدم في عمله ليكتفي بأقل من مائة سنة للنمو، ومائة سنة للتجربة والمحاولة، ومائة سنة للعمل الثابت الآمن من عثرات التردد والمحاولات. (4) الفلسفة السياسية
وأول ما يخطر على البال عن فلسفة شو السياسية أنه يدين بالنظام الديموقراطي ولا يعدل به نظاما من نظم الحكم الأخرى.
إلا أنه الخاطر الأول كما قلنا، وليس هو بالخاطر الصحيح.
والواقع أن شو لا يؤمن بالديموقراطية ولا يكتم إعجابه «بالدكتاتوريين»، أو الحاكمين بأمرهم سواء كانوا من معسكر الفاشية كموسيليني وهتلر، أو معسكر الشيوعية كلينين وستالين.
ولا داعي لاستغراب عقيدته هذه في السياسة، فإنها هي العقيدة الموافقة لجملة آرائه وميوله بعد مراجعتها والمقابلة بينها.
فمن جهة ينتمي شو إلى الجماعة الفابية، وهي مسماة باسم «دكتاتور» أو «حاكم بأمره قديم»، فلا تناقض بين الدكتاتورية وما يدعو إليه الفابيون، وبخاصة إذا ذكرنا أن معظم الاشتراكيين يسعون إلى ترميم المرافق العامة وإشراف الحاكم على إدارتها.
ومن جهة أخرى، يبشر «شو» بالسوبرمان، وينتظر اليوم الذي يطل فيه على العالم فيقبض على زمامه بيديه عنوة، أو من طريق الحيلة القوية والتأثير الذي يجتاح ما يعترضه من العقبات.
والدكتاتور - أو الرجل القوي - هو البديل الموقوت من السوبرمان، ريثما يحين الأوان لظهوره واستسلام الشعوب إليه.
وليس «شو» ممن ينكرون حرية الرأي وحرية النقد وحرية الاجتماع، ولا هو ممن يجهلون جناية الحاكمين بأمرهم على هذه الحريات كلها حيث يحكمون ويتحكمون. فقد كتب وقال غير مرة: «إن الحضارة لن تتقدم بغير النقد، ولا مناص لها - إذا هي أرادت أن تتجنب العفن والركود - من إعلان حرية المناقشة.»
Página desconocida