فهو ينكر دعوى الأطباء في «إعجاز هذه الصناعة» أو سلامتها من النقص والخطأ، ويقول إن البشر مطبوعون على مهابة من يتصرفون بالحياة والموت، ومن هنا إكبارهم لصناعة الطب في العصر الحديث، بعد شيوع الجراحات التي قد تحيي وقد تميت.
وفي مقدمة رواية «حيرة الأطباء» يقول: «إنه لا جدوى من إفهامك الطبيب أن مريضه الطفل محتاج إلى راحة أكثر وملابس أفضل ومآكل أنفع، وبيت أنقى في هوائه وجداره، وليست حاجته إلى العقاقير.»
وقد ألقى على لسان سير باتريك من أبطال تلك الرواية كلمة يقول فيها: «إنه كان في أيام أبي صديق يسمى جورج بدينجتون اهتدى إلى العلاج بالهواء الطلق في سنة 1840، فخرب وأفلس واضطر إلى هجر صناعته لغير شيء إلا أنه كان يفتح النوافذ، واليوم نعود نحن فلا نكاد نبقي على رأس المريض بالسل سقفا يغطيه.»
ومن حملاته على الطب ما تسوغه كل سجية إنسانية كريمة، كإنكاره الشديد لتشريح الحيوان وهو بقيد الحياة.
إلا أنه في حملات أخرى يتهجم بغير سند، كحملته على اللقاح والتطعيم وادعائه أن الجراثيم لا تخلق الداء، بل لعلها عرض من أعراض الداء.
ولإنكار اللقاح الجبري ناحية تسوغها آراء شو في الحرية الفردية، وإن كانت وقاية المجتمع كله تسمح بالإجبار لاتقاء أخطار الوباء وما شابهها من الأخطار.
على أن الناحية التي توصف بالتهجم حقا هي إنكار حقائق الجراثيم، وهي لا تقبل الإنكار بهذه السهولة.
ولا يسلم شو من النقد في هذا التهجم.
ولكنه لا يخلو من عذر في أول عهده بالهجوم على علم الجراثيم وأساليب العلاج بالحقن واللقاح، فلا ننس أن العلماء أنفسهم أنكروا دعوى كوخ وباستور في تعليل الأوبئة والأمراض المعدية بهذه المخلوقات التي تخفى على أدق الأبصار، وأن تصوير هذه الخلائق الدقيقة لم يبلغ من الإتقان مبلغ الحقيقة الملموسة قبل بضع سنوات.
ويجوز أن نعتذر لشو بمعاذير طبعه إن كانت هذه المعاذير مقبولة في مآخذ الرأي والثقافة ؛ فمن طبعه النزوع إلى المخالفة والنزوع إلى تحدي الدعوى والكبرياء، وقد كان ادعاء «العلميين» في أيام نشأته مما يغري - والحق يقال - بالتحدي والهجوم.
Página desconocida