وكأني على الصبابة والتب
ريح والشوق والجوى ما ربيت
وكأني على مفارقة الرو
ح لجسمي يوم النوى ما خشيت
يا خليلي أخبراني بصدق
كيف طعم الهوى؟ فإني نسيت
ففي صباح يوم من شهر نيسان راقت سماؤه، ورق هواؤه وتألق بأشعة الشمس ضياؤه أتته مدام «سرزول» زائرة، فرأته جالسا بالقرب من «ماري»، وأولادهما يلعبون على البساط متناغمين، وطيور نيسان تغرد في الحديقة، فتذهب الأشجان، فطابت نفسها وقرت عينها، فجلست تتأمل في محاسن هذه الهيئة المنزلية، ثم قالت ل «ڤكتور» وزوجته: لقد أفادتكما نصائحي خيرا عظيما، فهل لكما أن تقبلا مني هذه النصيحة الأخيرة؟ - وما هي؟ تكلمي ولك الفضل. - لا بد من رجوعكما إلى «بواتو»؛ فقد اشتهر أمر «أوتوبل» وأخذ الناس يتحدثون فيه وصار اسمك يا «ڤكتور» مضغة في أفواههم، فلست تقوى على الثبات في هذا الموقف الضنك بباريس.
فقالت ماري لزوجها: ما قولك في هذا الرأي؟ - هذا جل المراد وغاية الأمنية، فقد عظم شوقي إلى المنزل الأول، فما أذكر إلا حدائقه، ورياضه، ومنازهه، وغياضه، والغدير، وأشجاره، والحقل، وأزهاره كما رأيتها والموت نصب عيني، ألا إن المقام بينك وبين أولادنا ووالدينا في تلك الأماكن الصافية السماء لهو السعادة الحقيقية، فكل ما خلاه من لذة الحياة كاذب باطل كالآل يحسبه الظمآن ماء. - وأين تترك ذاك الطمع؟ - مات الطمع لا رجع. - وفكرك المتوقد؟! - جعلته وقفا عليك، فهلم نسافر.
فقالت الكونتة: بارك الله فيكما يا ولدي، وأنت يا «ڤكتور» بقي لك عندي نصيحة واحدة: إياك وكثرة الهواجس. - لا تخافي علي يا سيدتي، فلست أهجس واللذة الحقيقية لدي . •••
كانت الكونتة «سرزول» و«ماري» تتراسلان بعد سفر «ڤكتور» وآل بيته إلى «بواتو»، فعلم من مراسلتهما أن باريسيتنا الحسناء صارت من المتحرزات، على أنها ما برحت شديدة الحرص على الزينة والتبرج، وقد تناست «ڤكتور» فلم تكن تذكره البتة خجلا مما وقع لها أو سلوا، أما هو فأقام ببلده بين زوجته ووالده وولده، منقطعا إلى الاهتمام بشئونه من الزراعة والصناعة، متمتعا من حب ذويه بنعيم مقيم ومن نعومة البال بهناء عظيم، وكان إذا ذكر ماضيه ضحك منه، وإن نظر إلى آتيه ابتسم له، وإن تأمل حاله الحاضر حمد الله في الباطن والظاهر والأول والآخر.
Página desconocida