Balagha Casriyya Wa Lugha Carabiyya
البلاغة العصرية واللغة العربية
Géneros
والآن لماذا لا نرضى بلغتنا العربية، ولماذا يدعو قاسم أمين وعبد العزيز فهمي وأحمد أمين ولطفي السيد وبهي الدين بركات إلى إجراء تغييرات كثيرة أو قليلة في اللغة؟
السبب أن هؤلاء الرجال على وجدان بعصرهم؛ أي بهذا الوسط الصناعي العالمي الذي يغمر الوسط الزراعي ويتسلط عليه كما تتسلط بريطانيا الصناعية وعددها أقل من 50 مليونا على الهند الزراعية وعددها نحو 400 مليون (سنة 1945) وهم على وجدان بالنتائج الاجتماعية لهذا الوسط الصناعي، وهي: الديمقراطية والحرية والاعتماد على المعرفة دون العقيدة، والتوسل بالعلوم إلى الرقي الاقتصادي والأخلاقي والثقافي.
وليس من الضروري أن يكون هذا الوسط الصناعي سائدا في مصر؛ لأن هؤلاء المجددين الذين ذكرنا متمدنون، ووسطهم الحقيقي هو هذا العالم كله. فهم يحسون تياراته وينفعلون بنزعاته، وأستطيع أن أقول أنا: إن نزعتي إلى الحضارة الصناعية مع ما يجب أن يرافقها من ثقافة علمية هي التي تدفعني إلى الرغبة في التغيير؛ حتى تلائم ما أنشد من ثقافة علمية.
وأستطيع أن أقول: إن عرقلة الصناعة منذ 1904 حين وصف المصنع بأنه «محل مقلق للراحة إلخ»؛ قد عرقلت اللغة في تطورها، وحالت دون التفكير العلمي، واستبقت الكلاسية؛ أي التليدية في الأدب واللغة، وذلك لأن هذا القانون قد استبقى الزراعة أسلوبا للعيش لأكثرية الأمة؛ فأدى استقرار العيش إلى استقرار الفقر ثم إلى جمود اللغة والأدب، ولولا هذا القانون؛ لتفشت الصناعة واستتبع تفشيها ثقافة علمية تطعم لغتنا بألوف الكلمات الجديدة.
الفصل السابع والعشرون
اللغة العربية في مدارسنا
القراءة أسهل بكثير من الكتابة الإنشائية كما يتضح هذا عندما نحاول أن نكتب بإحدى اللغات الأجنبية التي تعلمناها؛ فإنه يسهل علينا كثيرا أن نقرأ مؤلفاتها، ولكنا حين نكتبها نجد الصعوبات الشاقة في تأليف عباراتها.
ولهذا السبب يجب أن تكون الغاية الأولى من تعليم اللغة العربية في مدارسنا الابتدائية الشعبية؛ «أي المدارس التي يجب أن تتناول مائة في المائة من السكان»، هي القراءة دون الكتابة التي يختص بها 50 في المائة من السكان أو أقل، فإن العامل في المصنع أو المزرعة أو الخادم في المنزل أو مثل هؤلاء؛ لا يحتاجون إلى الكتابة إلا قليلا جدا، ولكنهم كي يكونوا متمدنين يحتاجون إلى القراءة كل يوم وحتى عندما يحتاجون إلى الكتابة نرضى لهم ونقنع منهم بما يعبر التعبير الساذج عن أفكارهم.
ولسنا نعني أن هذه الحال سوف تكون دائمة، ولكنا نجد أننا في الوقت الحاضر في فاقة مادية وثقافية تحملنا على القنوع بتعليم القراءة للكافة من السكان، ثم الارتقاء منها إلى تعليم الكتابة الإنشائية للأقلية التي نحتاج إليها في المدارس الثانوية والجامعة.
ولهذا السبب يجب أن نقتصر من تعليم اللغة العربية في مدارسنا الابتدائية على تمكين التلميذ من المطالعة والفهم بلا حاجة إلى أية قواعد خاصة بالنحو، وليس عليه من حرج أن يقرأ فيرفع المفعول وينصب الفاعل ما دام يفهم ما يقرأ. حسبه أن يسكن آخر الكلمات كما نفعل نحن حين نقرأ وبدلا من هذه القواعد النحوية يجب أن يتعلم الصبي أكبر مقدار مستطاع من الكلمات التي ترد في الجريدة والمجلة والمتجر والمصنع والدكان والمنزل؛ ولهذا السبب يجب أن تتوافر لديه كتب المطالعة السهلة التي تغذو ذهنه بالمعارف الطلية عن حياته الاجتماعية والسياسة وعن العلوم والفنون.
Página desconocida