Balagha Casriyya Wa Lugha Carabiyya
البلاغة العصرية واللغة العربية
Géneros
أن ما نسميه طبيعة وغريزة، إنما هو في أحوال كثيرة تعليم وقدوة، حتى المشي ننساه إذا عشنا مع ذئبه، بل يذكر المؤلف أن هذه الفتاة عندما قبض عليها كانت قد برعت في المشي على أربع حتى كانت تسبق المطاردين لها من البشر!
والعبرة الثالثة:
أن أسلوبنا الذي نتخذه في المشي، والخوف، والأكل، والشرب والغضب ... كل هذا مكتسب بالوسط، وليس وراثيا.
والعبرة الرابعة:
وهذا هو الذي قصدنا من هذا الفصل: أن اللغة هي التي تعين لنا السلوك، والتصرف البشريين؛ فإن هذه الفتاة قبض عليها وهي في الثامنة، فاحتاجت إلى سنتين كي تقول «ما» للرئيسة، ولكي تقول «بهو، بهو» في طلب الطعام والشراب، وبدأ ذكاؤها عندئذ يتفتق، فكان استظهار الكلمات ترافقه تغيرات في السلوك، وهذه التغيرات تدل على حركات ذهنية بين الفتاة، والوسط.
فإذا كان أحدنا يعيش في غابة، أو صحراء منفردا بلا لغة؛ فإن ذهنه لن يتفتق؛ بل يبقى مغلقا مثل هذه الفتاة الهندية من حيث الاعتبارات البشرية، ولم تكن هذه الفتاة جاهلة من حيث الاعتبارات الذئبية، ولكن ذهنها كان عاطلا عندما قبض عليها وعمرها ثماني سنوات وبقي عاطلا، أو كالعاطل، إلى أن ماتت بعد أن بلغت 17 سنة؛ لأنها لم تحصل إلا على 45 كلمة؛ أي مقدار ما يمكن أن يعرفه أبله. فهي من حيث الذكاء الطبيعي ربما لم تكن ناقصة، ولكن من حيث تفتق هذا الذكاء كان النقص واضحا، وأكبر أسبابه أنها كانت خرساء لا تعرف الكلمات البشرية التي تحمل إليها العواطف والأفكار البشرية، ومع أنها قضت في عشرة البشر سبع سنوات، فإن ذهنها لم يتفتق إلى الدرجة التي كان يبلغها الطفل في هذه السن؛ لأن الطفل يولد ولوحة ذهنه مسحاء تتقبل التعليم الجديد، ولكن هذه المسكينة التقت بالبشر، ولوحة ذهنها حافلة بالعواطف التي بعثتها فيها عشرة الذئاب، ومن هنا صعوبة تعلمها.
واللغة هي التي تجعل الزمن تاريخيا والفضاء جغرافيا، وهذه الفتاة حرمت اللغة فحرمت بذلك الفهم، وشرعت تفهم السلوك البشري وتمارسه بدلا من السلوك الحيواني حين تعلمت الكلمات، وكانت كل كلمة جديدة تعين لها فكرة جديدة، أو عاطفة جديدة، ثم سلوكا جديدا.
الفصل الثالث
الأنثربولوجية واللغة العربية
كان يمكن أن أستغني عن هذا الفصل في هذا الكتاب، ولكني أعالجه في سرعة وإيجاز؛ كي أجعل القارئ يألف الطريقة ويدخل في المزاج اللذين تتألف منهما اللغات، بل ترتقي.
Página desconocida