177

Bahr Mutawassit

البحر المتوسط: مصاير بحر

Géneros

وأخيرا لم يبق من هذين الزوجين الاستثنائيين غير ابنة رعناء وغير ذكرى فصل تاريخي سلم في أثنائه رجل من أهل جنوة إلى الملكين الإسبانيين كنوز قارة مجهولة.

10

طرد الإسلام من أوروبة، طرد من جبل طارق الذي هو من أبواب البحر المتوسط، وذلك قبيل دخوله أوروبة منصورا من باب آخر، من الدردنيل. وكان السلطان محمد في الحادية والعشرين من سنيه حينما وصل إلى أبواب القسطنطينية، حينما ولد في إسبانية قاهر المغاربة فرديناند، ويرقب السلطان محمد حصون هذه العاصمة التي يستولي عليها في العام القادم، وقد قيض لمحمد الثاني أن يتم أعجب مآثره في ريعان شبابه، ويعد كلا العاهلين، التركي والإسباني، مدينين بعظمتهما لصفاتهما الخلقية المتماثلة، ولا مراء في أن محمدا كان أعظم من فرديناند قائدا، ولكن كلا الاثنين كان عالما نفسيا موهوبا ومن ثم أمكنهما أن يكونا قطبين سياسيين ممتازين.

وكان كل من الاثنين يزعم أنه يخدم الدين الصحيح، وذلك ليسلب أعداءه ويسوغ أمامهم وأمام العالم شهوة الفتح فيه. وكان محمد يدعو الله في صلواته مساء بنفس مطمئنة كالتي كان فرديناند يدعو بها يسوع بعد أن يتصفح جدول الكافرين الذين ذبحوا عشية، وبينما ترى التركي قد وصل إلى السلطة عن اغتيال، كالإسكندر الذي يذكر به فتاء وتربية، تجد الملك الكاثوليكي قد انتهى إلى السلطة عن مواريث وزواجات. وإذا نظر إلى الاثنين من حيث كونهما طاغيتين وجدا مجردين من كل مبدأ خلقي مع أنهما كانا يستندان إلى مشيئة الله في أعمالهما، وقد دام عهد أحدهما ثلاثين عاما ودام عهد الآخر سبعة وأربعين عاما، أي مدة كافية لفرض شخصيتهما على الغرب والشرق، ومن النادر أن أبصر البحر المتوسط فاتحين اتفق لهما من اتساع السلطان في وقت واحد؛ أي في دور اثنتي عشرة سنة، ما اتفق لذينك العاهلين، ويقيم الرجلان المالكان لطرفي هذا البحر دليلا على الأخلاق والقابليات الخاصة بعصر النهضة قبل أن ينشأ مبدأ رجل النهضة فيه.

وقد وصل الترك، الذين قادهم محمد إلى أوروبة، من آسية بين دفعي غزوين كبيرين، فأما الغزو الأول، وهو الذي قام به جنكيزخان آتيا من الصين حوالي سنة 1200، فقد هز شعوب آسية الوسطى وجرف الترك أمامه مع أمم كثيرة أخرى، وأما الغزو الثاني، وهو الذي قام به الفاتح المغولي الآخر تيمورلنك آتيا من سمرقند حوالي سنة 400، فقد سحق الترك سحقا كان يلوح نهوضهم بعده أمرا مستحيلا.

وما هو السبب في استطاعة الترك، الذين سموا عثمانيين نسبة إلى رئيسهم، أن يقيموا في أربعة قرون دولة من أعظم دول البحر المتوسط مع ذلك؟

ذلك لأنهم وحدوا بإيمان عظيم كان يعوز تيمورلنك وجنكيزخان؛ وذلك لأن الإسلام العربي قد منحهم ما ينطوي عليه من حمية وتعصب ومن إله واحد مع سيف كوسيلة، وكان الترك أهل حرب بطبيعتهم كما علموا الآخرين كيف يكونون رجال قتال، والترك قد عرضوا على العالم بدعة تأليف خير فرقهم، بدعة تأليف كتائب الإنكشارية الذين يجمعون من أبناء الأمم النصرانية المقهورة، والترك كانوا يختارون في كل عام من هؤلاء الأبناء ألفا ليؤلفوا كتيبة مصطفاة ومنظمة دينية للجهاد في سبيل الله والدفاع عن سلطان السيف، وقد أجمعت أنباء التاريخ على أن أحسن جنود القرن الخامس عشر كانوا من الترك والإسبان.

ولا يمكن أن يعد ذلك مسألة عرق، فمن الواقع أن عثمان عندما أقام دولته في الأناضول وجد فيه جميع العروق التي استقرت به منذ ألوف السنين، وجد فيه طلاينة وأغارقة ومغولا وجرمانا وساميين؛ أي خليطا يفسر بنفسه دنمية

25

هؤلاء السكان، غير أنه كان لوهم صفاء الدم في ذلك الزمن من صولة الأمم التي تكون في دور التوسع ما أعلن الترك معه أنهم عرق توراني خالص معتقدين أنهم أسمى من نصارى ناحية البسفور الأخرى، ومن شأن الشعوب والأفراد أن يعزوا حيويتهم إلى أجدادهم بدلا من أن يجدوا في أنفسهم شواذ للطبيعة مختالين؛ أي إن يقترفوا من الخطأ ما لا يأتيه وحش أو أسد لو كان قادرا على التفكير!

Página desconocida