El Océano de los fundamentos del derecho islámico
البحر المحيط في أصول الفقه
Editorial
دار الكتبي
Número de edición
الأولى
Año de publicación
1414 AH
Ubicación del editor
القاهرة
بِالْعَقْلِ، ثُمَّ مِنْهَا مَا يُدْرَكُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ كَالْكُفْرِ، وَالضَّرَرِ الْمَحْضِ، وَمِنْهَا مَا يُدْرَكُ بِنَظَرِهِ كَوُجُوبِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ مِنْ أَئِمَّتِنَا: لَا يُدْرَكُ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ إلَّا بِالشَّرْعِ فَهُوَ مُتَجَوِّزٌ؛ لِأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْحُسْنَ زَائِدٌ عَلَى الشَّرْعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَسَنَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْسِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِالثَّنَاءِ عَلَى فَاعِلِهِ وَكَذَا الْقَبِيحُ. وَقَالَ فِي كِتَابِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ: مَعْنَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ: إنَّهُ يُقَبَّحُ كَذَا أَوْ يُحَسَّنُ كَذَا عَقْلًا أَنَّهُ يُدْرَكُ ذَلِكَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ إخْبَارِ مُخْبِرٍ.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ ": الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّكْلِيفَ مُخْتَصٌّ بِالسَّمْعِ دُونَ الْعَقْلِ وَأَنَّ الْعَقْلَ بِذَاتِهِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى تَحْسِينِ شَيْءٍ وَلَا تَقْبِيحِهِ، وَلَا حَظْرٍ وَلَا إبَاحَةٍ، وَلَا يُعْرَفُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَرِدَ السَّمْعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ آلَةٌ تُدْرَكُ بِهَا الْأَشْيَاءُ، فَيُدْرَكُ بِهِ حُسْنٌ وَقُبْحٌ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالسَّمْعِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَهُمْ الَّذِينَ امْتَازُوا عَنْ مُتَكَلِّمِي الْمُعْتَزِلَةِ، وَذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ لِلْعَقْلِ مَدْخَلًا فِي التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ وَالْقَبِيحَ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ عُلِمَ بِالْعَقْلِ، وَضَرْبٌ عُلِمَ بِالسَّمْعِ. فَأَمَّا الْمَعْلُومُ حُسْنُهُ بِالْعَقْلِ فَهُوَ الْعَدْلُ، وَالْإِنْصَافُ، وَالصِّدْقُ وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمَعْلُومُ حُسْنُهُ بِالشَّرْعِ فَنَحْوُ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْمَعْلُومُ قُبْحُهُ بِالشَّرْعِ فَكَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ. قَالُوا: وَسَبِيلُ السَّمْعِ إذَا وَرَدَ بِمُوجِبِ الْعَقْلِ يَكُونُ وُرُودُهُ مُؤَكِّدًا لِمَا فِي الْعَقْلِ إيجَابِهِ وَقَضِيَّتِهِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى مَعْرِفَةِ الصَّانِعِ وَاجِبٌ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ بِهِ وَدُعَاءِ الشَّرْعِ إلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَسْرِهِمْ، وَذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ
1 / 181