Mar de Ciencias
بحر العلوم
والقمر والشمس، فابتلي بذلك فألهمه الله تعالى الإخلاص، فقال: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام: ٧٩] الآية. فهذا معنى قوله أَسْلِمْ أي أخلص دينك لله ف قالَ إبراهيم ﵇: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ، أي أخلصت ديني لرب العالمين.
ويقال: فوّض أمرك إلى الله فقال فوضت أمري إلى الله.
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ، أي بشهادة أن لا إله إلا الله. قرأ نافع وابن عامر وَأَوْصَى وقرأ الباقون وَوَصَّى وهو أبلغ من أوصى، لأنه لا يكون إلا لمرات كثيرة.
وقوله بِها، يرجع إلى الملة، والملة هي السنة والمذهب. ويقال: إنه جمع بنيه عند موته، لأنه خشي عليهم كيد إبليس فجمعهم وأوصاهم بأن يثبتوا على الإسلام. قال مقاتل: وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ الأربعة: إسماعيل وإسحاق ومدين ومداين، ثم أوصى بها يعقوب بنيه، وهم اثني عشر ابنًا، وذلك حين دخل مصر فرآهم يعبدون الأصنام، فأوصى بنيه بأن يثبتوا على الإسلام وكانوا اثنا عشر ابنًا: روبيل وشمعون ويهوذا ولاوي ونفتال وريالون ويشجر ودان واشترفياحان وحان ويوسف وبنيامين.
قال الله تعالى: يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ، أي اختار لكم دين الإسلام فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، يعني اثبتوا على الإسلام وكونوا بحال لو أدرككم الموت يدرككم على الإسلام، وأنتم مخلصون بالتوحيد. فقالت اليهود للنبي ﷺ: ألست تعلم أن يعقوب ﵇ يوم مات أوصى بنيه بدين اليهودية؟.
[سورة البقرة (٢): آية ١٣٣]
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهًا واحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)
فأنزل الله تعالى أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ، يقول: أكنتم حضورًا إِذْ حين حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ معناه إنكم تدعون ذلك، كأنكم كنتم حضورًا في ذلك الوقت، يعني أنكم تقولون ما لا علم لكم بذلك، والله تعالى يخبر ويبين أن وصيته كانت بخلاف ما قالت اليهود وإنما لم ينصرف شُهَداءَ لمكان ألف التأنيث في آخره، وإذا دخلت ألف التأنيث أو هاء التأنيث في آخر الكلام فإنه لا ينصرف.
ثم قال تعالى: إِذْ قالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي، أي من تعبدون بعد موتي؟ قالُوا: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ. روي عن الحسن البصري أنه قرأ قَالُواْ نَعْبُدُ إلهك وإله أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ. وقرأ غيره قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ. وإسماعيل
1 / 95