144

وفي وصية أخرى له إلى أولاده يقول فيها ما لفظه: (وأوصيهم بإصلاح ذات البين، فإنه أفضل من عامة الصلاة والصيام، كما جاء بذلك الأثر، قال الله تعالى:{فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } ولا يتم ذلك إلا بالاحتمال والصبر، والتغاضي من كثير والعفو، والله يأخذ بنواصيهم ويتولى إعانتهم)، آمين.

[118/ب] وكانت هذه الأعوام التي قد مضت في أكثر زمانه من الشدة العظيمة وشح الأمطار، وغلاء الأسعار، تصديقا لحديث الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم إنه قال: ((لا توكي فيوكى عليك )).

وكانت قد جارت ولاته في اليمن الأسفل الجور العظيم، والبلاء الذي نالهم الجسيم مثل بلاد العدين وبلاد برع وبلاد تعز وجبل صبر ، بحيث فقر منهم جماعات كثيرة، ورحل منهم من رحل إلى الجهات النائية البعيدة، ولم يرعوي المذكور لشكوى الشاكين، ولا رحمهم وتعطف عليهم بحيث بقوا للشكوى سنين.

وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم كما في أبي داود: ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))[119/أ] وكان لو أنه لم يرض بما زاده الولاة في هذه الجهة من الزيادات، وأمرهم على ما كان من المقررات والعادات، لكان فيه العدل التام، والسلامة من الآثام.

ولما عرف حاله الولاة باستراحته بالتوفير في الدفعات، جاروا على الرعايا في المطالبات، وفرضوا الزيادات، ولفقوا فيها التلفيقات وساعدهم فيما يذكرونه من الزيادات، فحصل بسببه الجور من هذا الباب. ولقد حكى من يعرف زمن الأتراك أنه عرض رجل من أهل سوق صنعاء على سنان باشا زيادة بالنصف على الأسواق فقال له سنان: من أين هذه الزيادة تجيء بها، إنما تكون من ظلم الرقاب وأمر بحبسه وتأديبه، والله يتجاوز عنه ويرحمه.

Página 443