Bahjat Majalis
بهجة المجالس وأنس المجالس
ألا ربّ من تعتده لك ناصحًا ... ومؤتمنًا بالغيب غير أمين
وقال أبو يعقوب الخريمي:
يا للرجال لقومٍ قد بلوتهم ... أرى جوارهم إحدى البليّات
ماذا تظنّ بقوم خبر كسبهم ... مصرّح السّحت سمّوه الامانات
وفي الحديث المرفوع: " الصدق يهدي إلى البرّ، والبرّ يهدي إلى الجنّة، والكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النّار ".
يقال: صدق وبرّ، وكذب وفجر.
قال بعض الحكماء: من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه.
وقال محمود الوراق:
إذا عرف الكذاب بالكذب لم يكن ... لدي النّاس ذا صدقٍ وإن كان صادقا
ومن آفة الكذّاب نسيان كذبه ... وتلقاه ذا حفظ إذا كان حاذقًا
وقال آخر:
لا يكذب المرء إلاّ من مهانته ... أو عادة السّوء او من قلّة الأدب
قال بغضهم: ما أراني أوجر في ترك الكذب. قيل له: ولم؟ قال: لأني أدعه اتقاء.
قالوا: الصدق عز، والكذب خضوع.
قال الحسن: خرج عندنا رجل بالبصرة، فقال: لأ كذبن كذبه يتحدث بها الوليد، قال الرجل: فما رجعت إلى منزلي حتّى ظننت أنها حق لكثرة ما رأيت الناس يتحدثون بها.
وقال كعب بن زهير:
ومن دعا النّاس إلى دمّه ... ذموه بالحقّ وبالباطل
مقالة السّوء إلى أهليها ... أسرع من منحدرٍ سائل
قال لقمان لابنه: يا بني! احذر الكذب فإنه شهى كلحم العصفور، من أكل شيئا منه لم يصبر عنه.
عوتب بعض الأعراب على الكذب، فقال للذي عاتبه: والله لو غرغرت به لهاتك ما صبرت عنه.
وقال الأصمعي: قيل لكذّاب: ما يحملك على الكذب؟ فقال: أما إنك لو تغرغرت به مرة ما نسيت حلاوته.
قيل لكذاب: هل صدقت قط؟ قال: أكره أن أقول لا فأصدق.
قال جميل العذرى:
لحا الله من لا ينفع الودّ عنده ... ومن حبله إن مد غير متين
ومن هو ذو لو نين ليس بدائم ... على خلق خوّان كلّ أمين
قال رسول الله ﷺ: " أد الأمانة لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك ".
باب الحقّ والباطل
قال رسول الله ﷺ: " الحق ثقيلٌ، فمن قصّر عنه عجز، ومن جاوزه ظلم، ومن انتهى إليه فقد اكتفى ". ويروي هذا لمجاشع بن نهشل.
قال رسول الله ﷺ: " لا يبطل حق امرئ وإن قدم ".
وقال ﵇: " رحم الله عمر بن الخطّاب، تركه الحقّ ليس له صديق ".
لما استخلف أبو بكر عمر، قال لمعيقيب الدّوسى: ما يقول النّاس في استخلافي عمر؟ قال: كرهه قومٌ، ورضيه آخرون. قال: فالذين كرهوه أكثر أم الذين رضوه؟ قال: بل الذين كرهوه. قال: إن الحقّ يبدو كريها وله تكون العاقبة، والعاقبة للتقوى.
قالوا: من قصد إلى الحقّ اتسمت له المذاهب حجة، ومن تعداه ضاق به أمره، وما هلك امرؤٌ عرف قدره.
قالوا: الحكمة تدعو إلى الحقّ، والجهل يدعو إلى السّفه، كما أنّ الحجة تدعو إلى المذهب الصّحيح، والشبهة تدعو إلى المذهب الفاسد.
قال بعض الحكماء: من جهلك بالحق والباطل، أن تريد إقامة الباطل بإبطال الحق.
قال الأعرابي، وقد ذكر عنده الإصلاح والإفساد، فقال: لاتمنعن كثيرًا من حقّ، ولا تضعنّ قليلًا في الباطل، فما حرّك حقّ وباطلّ إلا كان لهما شهود. قال بعض الحكماء: لها يعيد الرجل عاقلا، حتى يستكمل ثلاثًا: إعطاء الحق من نفسه في حال الرّضا والغضب، وأن يرضى للناس ما يرضى لنفسه، وألاّ ترى له زلّة عند ضجره. وقد تقدّم قول أبي العتاهية في باب الرّجاء والخوف:
ومن ضاق عنه الحقّ ضاقت مذاهبه
ولأبي العتاهية أيضًا:
الباطل الدّهر يلفي لا ضياء له ... والحقّ أبلج فيه النور يأتلق
1 / 127