وقال بعض الفضلاء المعاصرين: «إن اسم بغداد إرمي مبنى ومعنى، وهو مؤلف من كلمتين: من «ب» المقتضبة من كلمة «بيت» عندهم، وكثيرا ما تقع في أوائل أسماء المدن مثل بعقوبة ... واللفظة الثانية «كداد» بمعنى غنم أو ضأن ... فيكون مفاد «بكداد» مدينة أو دار أو بيت الغنم أو الضأن، وحيث إنه كانت هناك سوق فمن المحتمل أنهم كانوا يبيعون فيها الغنم والضأن في أول الأمر.»
وبالجملة، فإن القول في أصل اشتقاقها لا يخلو من الشك والتخمين، وليس هناك كبير فائدة في هذا الخلاف.
قال أبو حاتم السجستاني: سألت أبا سعيد الأصمعي كيف يقال بغداد أو بغداذ؟ ... فقال: قل «مدينة السلام».
وهو من أسمائها العربية، وبهذا الاسم كانت تضرب النقود العباسية، ومن أسمائها العربية «دار السلام»، وفيه إشارة إلى الآية الكريمة
لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ، والذي يتتبع أحوال العباسيين في صدر دولتهم يجد أنهم كانوا مولعين بالتفاؤل الديني ويريدون من مدينتهم هذه أن تكون نموذجا للجنة التي وعد بها المتقون، وقد أنشئوا فيها قصرا أسموه «قصر الخلد» إشارة إلى جنة الخلد، وآخر أسموه «الفردوس» إشارة إلى جنة الفردوس. ومن أسمائها «مدينة المنصور»، و«الزوراء». وكان هذان الاسمان في أول الأمر لا يطلقان إلا على المدينة المدورة التي أنشأها المنصور أول ما أنشأ، ومن أسمائها «دار الخلافة».
وقد صرف العرب كلمة بغداد، فقالوا: تبغدد الرجل إذا انتسب إليها، أو تشبه بأهلها على قياس تمعدد وتعرب إذا تشبه بمعد والعرب أو انتسب إليهما.
وقال المولدون: تبغدد الرجل علينا إذا تكبر وتعاظم، وفيه إشارة إلى ارتفاع مكانة بغداد والبغداديين في تلك العصور. وبغداد في جميع لغاتها هذه تذكر وتؤنث، فيقال هذه بغداد، وهذا بغداد. وقد أخبرني المحقق الفاضل أبو الحسنات - المدرس في جامعة فؤاد الأول - أن في الهند إمارة تحكمها أسرة ترجع بنسبها إلى بني العباس ولا تزال تحافظ على تقاليدهم وعاداتهم، واسم عاصمتهم «بغداد».
خبر بنائها
اتخذ العباسيون الكوفة أول عاصمة لهم، ثم بنوا مدينة على مقربة من الكوفة أسموها الهاشمية، ثم أخذ المنصور يفكر في نقل عاصمته إلى موطن يأمن فيه الفتن ويعصمه من عاديات الزمن، فبعث الرواد أولا، ثم أخذ هو نفسه يرتاد موضعا يقيم فيه مدينته المطلوبة، فوقع اختياره على البقعة الواقعة بين دجلة شرقا ودجيل شمالا، وقطربل غربا والصراة جنوبا، فأقام فيها أياما ليختبر بنفسه حالة جوها وتربتها وما يتصل بذلك من العوارض؛ فأسفر الاختبار عن نتائج حسنة. وكان يقوم على الموضع عدة ضياع، منها ضيعة أو سوق يقال لها بغداد، كان يجتمع فيها رأس كل شهر التجار، وتقوم بها للفرس قبل الإسلام سوق عظيمة، وقد جاء ذكرها في تاريخ الفتوح الإسلامية سنة 13ه، فقد ذكروا أن المثنى بن حارثة أغار على هذه السوق في جمع من أصحابه، فغنموا ما بأيدي أهلها من ذهب وفضة ثم رجعوا إلى الحيرة، ولم يجر لها ذكر في تأريخ الفتوح بعد هذه الحادثة إلى أن بنى المنصور مدينته عندها.
سبب الاختيار
Página desconocida