هو مسجد أقيم بناء على رؤيا رأتها امرأة وثق الناس بصدقها يومئذ، وشك بعض الفقهاء في صحة إقامة الجمعة فيه لقربه من المسجد الجامع في دار الخلافة بناء على القول بأن الجمعة لا تقام بأكثر من موضع واحد في البلد الواحد، ولكن الخليفة الطائع أذن أن تقام به الجمعة بناء على كونه منفصلا عن المدينة بخندق، فكأنه واقع في بلد آخر.
مسجد الحربية:
هو مسجد أنشأه أبو بكر بن عبد العزيز الهاشمي في أيام المطيع لله ليكون جامعا يخطب فيه، فمنع المطيع من ذلك للسبب الذي ذكر في مسجد قطيعة أم جعفر، ومكث المسجد على تلك الحال حتى استخلف القادر بالله، فاستفتى الفقهاء في أمره فأفتوا بجواز إقامة الجمعة فيه، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة 383. قال الخطيب البغدادي: «أدركت صلاة الجمعة وهي تقام ببغداد في مسجد المدينة ومسجد الرصافة، ومسجد دار الخلافة ومسجد براثا، ومسجد قطيعة أم جعفر ومسجد الحربية، ولم تزل على هذا إلى أن خرجت بغداد سنة 451، ثم تعطلت في مسجد براثا فلم تكن تصلى فيه.» ا.ه.
أما المساجد غير الجامعة فلا تكاد تحصى عدا، وقد بالغ الأقدمون في التقدير، فذكروا أنها تبلغ عدة مئات من الألوف مما لا يكاد يصدق. وقال ابن بطوطة: «وببغداد من المساجد التي يخطب فيها، وتقام فيها الجمعة أحد عشر مسجدا، منها بالجانب الغربي ثمانية، وبالجانب الشرقي ثلاثة، والمساجد سواها كثيرة جدا.» ولم يبق من المساجد التي ذكرها الخطيب اليوم عين ولا أثر، اللهم إلا مسجد دار الخلافة، فالظن يغلب على أنه كان في الموضع الذي تقوم فيه منارة سوق الغزل، ولا يزال على مقربة منها مسجد جامع يقال له جامع الخلفاء.
واليوم لا يكاد المنقب المدقق يهتدي إلى مواضع المحلات القديمة من بغداد؛ لذهاب أطلالها ورسومها، وانطماس آثارها ومعالمها، ولم يبق لذوي البصائر بصيص ينير لهم الطريق للاهتداء إلى مواضع تلك المساجد العظيمة، التي عمرت بالمصلين حينا من الدهر، إلا مضاجع الأقدمين التي أسموها بالأضرحة ومن أشهرها اليوم في الجانب الشرقي:
جامع أبي حنيفة:
المعروف اليوم بجامع الإمام الأعظم، وبلدة الأعظمية، وإن كانت منفصلة عن بغداد حينا من الدهر، فإنها أصبحت اليوم متصلة بها معدودة جزءا منها، كما كانت في صدر الدولة العباسية. وإلى يسار المحراب من هذا المسجد قبر الإمام أبي حنيفة المتوفى سنة 150، وقد ذكر المقدسي أنه زار هذا القبر سنة 375، وذكر أنه كان فيه صفة من إنشاء أحد العلماء المعاصرين له.
وفي سنة 459، أقام أبو سعد الخوارزمي أحد عمال ملكشاه السلجوقي على هذا القبر قبة شامخة، وبنى إلى جوارها مدرسة للحنفية، ثم اقتطع من تلك المدرسة مسجدا جامعا. وفي سنة 479 زار هذا القبر السلطان ملكشاه السلجوقي ووزيره نظام الملك، كما مر في الباب السابق، وزاره ابن جبير سنة 580 فذكر «أنه مشهد حفيل البنيان، له قبة بيضاء سامية في الهواء.» وقال ابن بطوطة: «وبقرب الرصافة قبر الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - وعليه قبة عظيمة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر ...»
ولما استولى الصفويون على بغداد امتدت يد التخريب إلى هذا المسجد، ولكن خلفاء بني عثمان أعادوه إلى أحسن مما كان، فذكر المؤرخون أن السلطان مرادا الرابع صلى في هذا المسجد عدة أوقات للتبرك، وشارك القراء بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم. ولا يزال هذا المسجد قائما إلى عهدنا هذا، وهو من أرسخ الآثار التاريخية التي يستعان بها على فهم الوضع الجغرافي للجانب الشرقي من بغداد، فقد ذهبت آثار محلة الرصافة والشماسية ومحلة المخرم، ولم يبق من أثر يستدل به على مواضعها إلا هذا المسجد.
جامع الخلفاء:
Página desconocida