223

Badr Munir

البدر المنير في معرفة الله العلي الكبير

Géneros

Fiqh chií

قلنا: دل صلى الله عليه وآله وسلم على منع الإئتمام بالجائر في صلاة الجمعة وغيرها بقوله صلى الله عليه وآله وسلم [59أ] في آخر الخبر: }ولا يؤم فاجر مؤمنا إلا أن يقهره سلطان يخاف سيفه أو سوطه)) فأوجب حمل قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الخبر أو جائر بعد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: }فمن تركها وله إمام عدل)) أنه يريد صلى الله عليه وآله وسلم بقوله ((وله إمام عدل)) في الظاهر والباطن، وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أو جائر)) جائر في الباطن مستدل بجوره غير ظاهر في أفعاله وأقواله في الأغلب على سبيل الجرأة دلالة على أن الاعتبار في التكليف في الظاهر دون الباطن وأن العصمة في الباطن غير معتبرة ولم يرد به أن يكون جائرا في الظاهر، فقد دل على المنع بقوله -عليه السلام وآله- في آخر الخبر: }ولا يؤم فاجر مؤمنا)) ولما قدمنا من الآيات من قوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} وغيرها ودل بقوله في الخبر: ((فمن تركها في حياتي وبعدي وله إمام)) أن المقصود وله إمام صلاة له دين وعلم يحسنها بتفاصيلها، وليس المقصود الإمام الأعظم لأنه ليس في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم إمام أعظم له تصرف غيره صلى الله عليه وآله وسلم ثم قرن ذلك بقوله: ((وبعدي)) فدل بذلك أن المقصود والشرط في صحتها ووجوبها وجود إمام الصلاة في البلد وميلها إلى الإمام الأعظم كما أن الإمام الأعظم متصرفا في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم غيره لا يصح وجعل الإمام في حياته صلى الله عليه وآله وسلم شرطا فيها عرفناه أنه في حياته عليه السلام إمام الصلاة لا الأعظم، ثم قرن ذلك صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ((وبعدي)) فيكون المقصود إمام الصلاة لا الأعظم كالأول دل ذلك على وجوب إقامة صلاة الجمعة على المسلمين في وقت خفاء أئمة الحق من آل محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وذلك وقت الفترات لعدم الناصر بين الأئمة الأعظمين من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنفوسهم، ودل على أن عليهم أن يقيموا صلاة الجمعة في البلد التي لا تنفذ فيها أحكام أئمة آل الرسول إذا ظهروا إذا وجدوا في هذه المسألتين إمام صلاة من أهل العلم والدين ظاهرة عدالته وباطنه أو ظاهر العدالة ولو جار في الباطن ولم يعلم بجوره وأنه يجب عليهم -أعني المسلمين- إقامة صلاة الجمعة بنفوسهم إذا وجدوا إمام الصلاة الصالح لها بالعلم والدين كذلك إذا جار الإمام الأعظم وظهر جوره بمخالفة الكتاب والسنة أو الإجماع في نفوسهم إذا قدروا على إقامتها ولو في بلد ولايته من غير ولاية منه إذ لا يجوز أخذ الولاية منه مع ظلمه ولا الاعتزاء إليه معه لقوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين}(1) ولقوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} فيجب عليهم إقامتها بغيره في بلده مع إمام الصلاة وثلاثة معه تنعقد بهم، ويجب على الباقين يصلوها معه فرض عين على الظهور إن أمكن ومع التخفي إن تعذر الظهور للخوف من الظالم الضرر فإن لم يمكن إقامتها ظاهرا ولا خافيا وخافوا من الاعتزال من جمع الظلمة الضرر إذا صلوها ظهرا ولم يمكنهم إلا الصلاة معه صلوا مع الظالم جمعة وأعادوها ظهرا وصلاتهم تقية لقوله صلى [59أ] الله عليه وآله وسلم في آخر الخبر: ((ولا يؤم فاجر مؤمنا إلا أن يخاف سيفه أو سوطه)).

فأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أربعة إلى الولاة -إلى أن قال: والجمعات)) فالمقصود إذا ظهروا وهم عدول من أئمة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث تنفذ أوامرهم وأحكامهم فلا تقام إلا بتوليتهم أو بهم في ذلك -أعني زمان ظهورهم ومكانه- وعدالة من ظهر ظاهرا وباطنا أو ظاهره العدالة ولو جار بالباطن، وفي غير ظهورهم، أو ظهورهم وخفاء المحقين منهم لخوف من ظهر من ظلمتهم فإقامتها إلى المسلمين كل في بلدة من غير ولاية من الظلمة لما قدمنا من الأدلة على منع الجواز لأخذها منهم ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم قرنها في قوله: ((أربعة إلى الولاة)) بالزكاة، والزكاة تجب في غير وقت ظهور الإمام الأعظم وفي غير بلد ولايته إجماعا؛ فكذلك الجمع.

Página 292