أجابت المريضة: لا يوجد ما يزعجني قط! ما أجمل هذه التعزية لو لم يكن الشعور خلاف الكلام، ولكن هل أنت مصرة على عزمك يا جميلة؟ وهل تقدرين على المعيشة المنفردة وعلى البقاء وحيدة بعد موتي إكراما لذكر كان يجب أن يمحى من تصوراتك.
حينئذ نظرت السيدة جميلة إلى والدتها برزانة وكلمتها ببرودة قائلة: إنني سوف لا أعيش وحيدة بعون الله يا أماه، فلا تزعجي نفسك لأجلي.
قالت وهي تتنهد وقد ضعف صوتها أكثر من الأول: قلت لك بأنني لا أعيش إلى بزوغ شمس الغد ...
أجابت السيدة: وهب أن الأمر كان كذلك لا سمح الله، فسوف لا أعيش وحدي.
وكأن هذا الكلام من الابنة أنسى الوالدة آلامها فأبرقت أسرتها سرورا، وأدارت وجهها بضعف وجهد نحو ابنتها، وقالت همسا: هل أذعنت لكلامي وسوف تقترنين بحنا؟
فاشمأزت الابنة من ذكر هذا الاسم، وقالت لها: أرجو ألا تذكري هذا الاسم على مسمعي مرة أخرى.
فأرجعت تلك المريضة الحزينة رأسها كما كان على الوسادة، وقالت بصوت يخنقه البكاء: إذن كيف تقولين بأنك لا تكونين بعد موتي وحدك؟
فقالت جميلة: إنك تطلبين سعادتي أليس كذلك؟
قالت: نعم يا عزيزتي وأنت تعلمين ذلك؟
فقالت: إن هذه لا تكون باقتراني برجل لا أحبه لا هو ولا سواه من الرجال؛ لأنني قد قطعت مراحل الصبا ولم أفتكر في الزواج، فكيف أتزوج الآن برجل له أولاد أضطر أن أربيهم ... بعد ... بعد ... الخلاصة أرجوك يا والدتي أن تتركيني أشعر بقلبي لا بقلبك هذه المرة. قالت هذا وخرجت من الغرفة لاستنشاق الهواء؛ لأنها خافت أن يغمى عليها، وكانت تسمع أمها تقول: إنني أتعس الأمهات؛ لأنني جلبت تعاستي وتعاستها بيدي.
Página desconocida