شبه البهار بالنجوم. ولصاحب الشرطة أبي بكر بن القويطة في المعنى والقافية، قصيد مستول على غاية الكمال، مستوف نهاية الجمال موصول بمدح ذي الوزارتين القاضي الأجل، الرفيع المحل. وهو من أوله إلى آخره: [الكامل]
كسفت خدود النرجس المصفر من ... حسد، وقد يذوي العدو الحاسد
واصفر حتى كاد أن يقضي أسى ... لما رأى الورد الذي هو وارد
هيهات للورد الفضائل كلها ... وإن ادعى التكذيب فيه معاند
فصل القضية أن هذا ممتع ... فصل الربيع، وكل نور بائد
يأتي ونوار الثرى متزحزح ... وكذا الرئيس من المشابه واحد
هذا مقر للسماء بفضلها ... فيما غذته به وهذا جاحد
وترى تباين ذاك في وجهيهما ... باللون والنشر الذي هو شاهد
كم بين مصطنعين: هذا كافر ... إفضال سيده، وهذا حامد
هذا له خلق العجوز وهذه ... عذراء في حمر المجاسد ناهد
وكفى افتخارا أن هذا نافق ... غضا ومبتذلا، وهذا كاسد
لو لم يكن للورد إلا أنه ... يفنى ويبقى ماؤه المتعاهد
وله منافع لا تجمل كثرة ... ومرافق مشكورة وفوائد
والنرجس المصفر ليس بنافع ... ميتا ولا في الروض إذ هو وافد
هذا عقيم لا يشاد بذكره ... أبدا وعقب الورد باق خالد
أخوان مقرونان لم يتنازعا ... شبها، وبينهما إخاء تالد
هذا يبشر بالحياة وذاك ين ... ذر بالممات إذ أتاه العائد
"أين الحياة من الممات نفاسة ... ورياسة لولا القياس الفاسد"
ومن هنا دخل إلى مدح ذي الوزارتين القاضي الجليل فقال: [الكامل]
يا أيها القاضي المصفى جوهرا ... والسيد الندب الشريف الماجد
احكم فإن العدل شيمتك التي ... أوصى بها جد إليك ووالد
فغدوت طفلا في المهاد وأنت لل ... حكم الذي أعيى البرية ماهد
قوله: "أين الحياة من الممات.." البيت هو لابن الرومي وأتقن الرد عليه فيه، وبيت ابن الرومي: [الكامل]
أين العيون من الخدود نفاسة ... ورياسة لولا القياس الفاسد
وأنشد لنفسه الشيخ أبو عبد الله بن مسعود قطعة بديعة تضمنت أوصافا مطبوعة يصف البهار، ويفضل الورد عليه وهي: [مجزوء الرجز]
ولا بس ثوب الضنى ... من حسد قد اكتأب
كأنما أحداقه ... أقداح تبر منتخب
من الحيا مترعة ... أجل مشروب شرب
يسعى بها محتسبا ... بلا أدى ولا نصب
ساق على ساق له ... تزهى بمخضر قصب
زبرجد مبتهج ... يكاد لينا ينقضب
إذا الصبا غنت له ... وماس عن ثقل الحبب
صبا لبعض بعضه ... فيلتقي ويصطحب
يقول للورد: أنا ... بر حبيب يقترب
قال له الورد: لقد ... أخطأت يا من لم يصب
أنت إذا ما صحفوا ... وأنصفوا بيت خرب
أنا الذي لم أختلق ... ما قلته ولم أحب
أشبه شيء بالخدو ... د والزهر ريعت من كثب
وأنت عين دهرها ... في مثل دهر قد كلب
فانشعبت أسرابه ... خوفا بدمع منسرب
واصفر من هم كما ... يفعل مخصوم غلب
الفضل للورد وإن ... أبى علي وحرب
طيب وطب وشذا ... ومنظر ينفي الكرب
سلطان الآنوار على ... رغم الغبي المضطرب
كما ابن عباد حمى ال ... إسلام سلطان العرب
قوله: "بر حبيب" هو تصحيف نرجس، و"بيت خرب" تصحيفه مقلوبا أيضا. "وإن أبى علي" هو ابن الرومي لما فضل البهار على الورد. وحرب مثل غضب، ومنه قيل: ليث محرب، أي مغضب. وقوله: طيب وطب وشذا، الشذا: العرف والريح الطيبة. وقال بعض الأندلسيين يرد ابن الرومي بيتيه الطائيين وأحدهما: [البسيط]
وقائل لم هجوت الورد معتمدا؟ ... فقلت: من قبح ما فيه ومن عمطه
ويقبح ذكر البيت الثاني وهو مشهور، والرد عليه للأندلسي: [البسيط]
لعائب الورد قل ما أنت من نمطه ... قد قلت هجرا فتب في القول من غلطه
الورد خد حبيب حين تلثمه ... فيغتدي أثر الأسنان في وسطه
ولأبي جعفر بن الأبار في إقرار البهار بفضل الورد حسنة بمدح ذي الوزارتين القاضي سيف الحق الماضي وهي: [الرمل]
1 / 21