Bellezas y Curiosidades
البدائع والطرائف
Géneros
وقد تنظر من نافذة منزلك فترى بين عابري الطريق راهبة تسير يمينا ومومسا تسير شمالا؛ فتقول على الفور: ما أنبل هذه وما أقبح تلك! ولكنك لو أغمضت عينيك وأصغيت هنيهة لسمعت صوتا هامسا في الأثير قائلا: هذه تنشدني بالصلاة وتلك ترجوني بالألم، وفي روح كل منهما مظلة لروحي.
وقد تطوف في الأرض باحثا عما تدعوه حضارة وارتقاء، فتدخل مدينة شاهقة القصور فخمة المعاهد رحبة الشوارع، والقوم فيها يتسارعون إلى هنا وهناك؛ فذا يخترق الأرض، وذاك يحلق في الفضاء، وذلك يمتشق البرق، وغيره يستجوب الهواء، وكلهم بملابس حسنة الهندام، بديعة الطراز، كأنهم في عيد أو مهرجان.
وبعد أيام يبلغ بك المسير إلى مدينة أخرى حقيرة المنازل ضيقة الأزقة إذا أمطرتها السماء تحولت إلى جزر من المدر في بحر من الأوحال. وإن شخصت بها الشمس انقلبت غيمة من الغبار. أما سكانها فما برحوا بين الفطرة والبساطة كوتر مسترخ بين طرفي القوس. يسيرون متباطئين ويعملون متماهلين وينظرون إليك كأن وراء عيونهم عيونا تحدق إلى شيء بعيد عنك، فترحل عن بلدهم ماقتا مشمئزا قائلا في سرك: إنما الفرق بين ما شهدته في تلك المدينة وما رأيته في هذه لهو كالفرق بين الحياة والاحتضار. فهناك القوة بمدها وهنا الضعف بجزره. هناك الجد ربيع وصيف وهنا الخمول خريف وشتاء. هناك اللجاجة شباب يرقص في بستان وهنا الوهن شيخوخة مستلقية على الرماد.
ولكن، لو استطعت النظر بنور الله إلى المدينتين لرأيتهما شجرتين متجانستين في حديقة واحدة. وقد يمتد بك التبصر في حقيقتهما فترى أن ما توهمته رقيا في إحداهما لم يكن سوى فقاقيع لماعة زائلة، وما حسبته خمولا في الأخرى كان جوهرا خفيا ثابتا.
لا ليست الحياة بسطوحها بل بخفاياها، ولا المرئيات بقشورها بل بلبابها، ولا الناس بوجوههم بل بقلوبهم.
لا، ولا الدين بما تظهره المعاهد وتبينه الطقوس والتقاليد، بل بما يختبئ في النفوس ويتجوهر بالنيات.
لا، ولا الفن بما تسمعه بأذنيك من نبرات وخفضات أغنية، أو من رنات أجراس الكلام في قصيدة، أو بما تبصره بعينيك من خطوط وألوان صورة؛ بل الفن بتلك المسافات الصامتة المرتعشة التي تجيء بين النبرات والخفضات في الأغنية، وبما يتسرب إليك بواسطة القصيدة مما بقي ساكتا هادئا مستوحشا في روح الشاعر، وبما توحيه إليك الصورة فترى وأنت محدق إليها ما هو أبعد وأجمل منها.
لا، يا أخي، ليست الأيام والليالي بظواهرها. وأنا، أنا السائر في موكب الأيام والليالي، لست بهذا الكلام الذي أطرحه عليك إلا بقدر ما يحمله إليك الكلام من طويتي الساكنة. إذن لا تحسبني جاهلا قبل أن تفحص ذاتي الخفية، ولا تتوهمني عبقريا قبل أن تجردني من ذاتي المقتبسة. لا تقل: هو بخيل قابض الكف قبل أن ترى قلبي، أو هو الكريم الجواد قبل أن تعرف الواعز إلى كرمي وجودي. لا تدعني محبا حتى يتجلى لك حبي بكل ما فيه من النور والنار، ولا تعدني خليا حتى تلمس جراحي الدامية.
نفسي مثقلة بأثمارها
نفسي مثقلة بأثمارها؛ فهل من جائع يجني ويأكل ويشبع؟
Página desconocida