Maravillas de la Imaginación
بدائع الخيال
Géneros
فأجابه الشاب: «رجل مجرم أثقلته ذنوبه فجاء يكفر عنها.»
ففتح الباب وخرج منه شيخ عجوز أحنت الأيام قوس ظهره، وسأله عن جلية أمره فأفضى إليه الشاب بكل ما وقع له في بيت عرابه، وأخبره كذلك بما رآه في المزرعة؛ حيث كانت الرجال تطارد العجل، وكيف نصحهم، ثم ختم حديثه قائلا: «ومن ذلك الوقت علمت أن الشر لا يدفع بالشر، ولكن لم أهتد حتى الآن إلى الطريقة المثلى التي يجب اتباعها لدفع الشر، فهل لك يا سيدي أن ترشدني لذلك؟»
فأجابه الراهب: «امض في حديثك يا بني وأخبرني بما رأيته أيضا.»
فعاد الشاب إلى حديثه وحكى له ما رآه في بيت المرأة، وقص عليه أمر الرجال الذين كانوا يصنعون إطار العجلات، ثم أخبره بما وقع له مع الرعاة.
كل ذلك والراهب مطرق برأسه يصغي إليه جيدا، وعند انتهاء الحديث دخل إلى كهفه، وعاد ثانية وبيده فأس صغير كالذي يستعمله الحطابون، ثم قاده إلى وسط الأجمة وأشار إلى شجرة هناك، ثم قال: «اقتلع هذه الشجرة من أصولها ثم اقطعها بالفاس إلى قطع ثلاث.»
ففعل ابن العراب كما أمره الراهب، وعند انتهاء العمل ذهب الراهب إلى كهفه ورجع إليه بقطعة خشب مشتعلة وأمره أن يحرق بها القطع الثلاث حتى تصير كل منها كالفحمة السوداء، وبعد أن فعل ذلك أيضا أمره بغرس القطع المحروقة في الأرض حتى النصف.
وعند انتهائه من العمل وضع الراهب يده على كتف الشاب وخاطبه بقوله: «أترى هذا النهر الصغير عند سفح الجبل؟ عليك أن تنقل منه الماء بفمك لسقي هذه الأعواد الثلاث، اسق العود الأول كما علمت المرأة، وأسق الثاني كما أشرت على صانعي العجلات، والثالث كما أشرت على الرعاة، واستمر على سقيها وتعهدها حتى ترى أن هاته الأعواد الثلاث تنمو وتينع وتصبح كل منها شجرة تفاح صغيرة، عند ذلك تكفر عن خطيئتك، وتعلم في الوقت نفسه كيف يمكن اقتلاع بذور الشر من جوانب الإنسان.»
وعندما انتهى الراهب من حديثه قفل راجعا إلى الكهف وترك الشاب غارقا في بحار التفكير يضرب أخماسا لأسداس، ويقلب وجوه الرأي عساه يهتدي إلى معنى لكل ما رآه، وأخيرا لم ير بدا من إطاعة أمر الراهب إطاعة عمياء كما أوصاه عرابه، فصار ينقل الماء بفمه ويسقي الأعواد طول يومه حتى أعياه التعب وأخذ منه الجوع كل مأخذ، فسار إلى الكهف ليطلب منه ما يسد به الرمق، ولكنه ما كاد يدخل الكهف حتى رأى الراهب جثة هامدة، فهاله الأمر وأسقط في يده لا يدري ما يصنع.
وأخيرا تمالك روعه، وأخذ ينقب في أطراف الكهف حتى إذا أصاب شيئا من الخبز الناشف أكله ونام ليلته بالقرب من جثة الراهب، وعند الصباح قام إلى فأسه وحفر قبرا للراهب بالقرب من الكهف، وبينما هو في عمله رأى جمعا من الناس جاءت لتزور الراهب ومعهم بعض الزاد كعادتهم، فأخبرهم بموته، فأسفوا عليه وعاونوه بدفنه في الحفرة التي أعدها له من قبل، ثم ودعه الحاضرون بعد أن تركوا ما معهم من الزاد، وقد وعدوه بزيارته من حين لآخر كما كانوا يزورون ساكن الكهف سلفه.
ومن ثم اشتهر أمره بين سكان الجهات المجاورة للغابة بأنه لا ينفك عن نقل الماء بفمه من النهر حتى الكهف ؛ رياضة للنفس، وكبحا لجماح الهوى، فتقاطروا إليه من كل صوب للتبرك به ومعهم كثير من الهدايا الثمينة، فكان يبقي لديه الضروري منها ويوزع الباقي على الفقراء والمساكين، وكان يمضي نصف يومه في نقل الماء وسقي الأعواد، والنصف الآخر في استقبال زواره العديدين.
Página desconocida