Maravillas de la Imaginación
بدائع الخيال
Géneros
ثم أشار إليه عرابه أن انظر، فنظر، وإذا به يرى دار السجن وأمامها ثلة من الجنود، فقال له: «أترى هذا الرجل؟ إنه سفك دماء عشرة من الأبرياء، وكان لا محيص له من أن يكفر عن سيئاته بنفسه، ولكنك عجلت عليه بالقتل، فحملك جريرة دمه ودم الذين جار عليهم بالقتل، فهل رأيت الآن نتيجة عملك وما جلبته لنفسك بطيشك ونزقك؟! أمامك الآن ثلاثون عاما تقضيها في هذا العالم تضرب بقدمك في فسيح أرجائه، وتعمل جهدك على تكفير ذنبك، وإذا لم تتمكن من تكفير ذنوبك قبل انقضاء هذه المدة تنال من الجزاء ما كان سيناله هذا اللص.» فسأله الشاب وقد أكمد لونه وارتسمت على وجهه علامات الخوف والجزع: «بربك قل لي كيف أكفر ذنوبي؟»
فأجابه: «ذلك ميسور لك إذا تلافيت من شرور هذا العالم بالقدر الذي جلبته إليه، وبذلك تكفر عن خطئك وخطايا اللص معا.» - «وكيف السبيل إلى محو الشر من العالم؟!» - «أنا مرشدك إلى ذلك، قم الآن وسر في الأرض نحو المشرق، وبعد مسير بضعة أيام تصل إلى مزرعة فيها بعض رجال فراقب ما يعملون، ثم أخلص لهم النصح بما تعلمته في سفرك، وأتم مسيرك نحو المشرق أيضا إلى أن ينتهي بك المسير إلى غابة كذا، وفيها تجد كهفا يسكنه شيخ معتكف، فقص على هذا الشيخ كل ما تراه وتتعلمه في طريقك إليه، فهو مرشدك إلى ما يكون فيه تكفير ذنبك - إن شاء الله.»
وبعد أن ودع الشاب عرابه سار يتبع مشرق الشمس كما أمره وهو يناجي نفسه بهذه الأقوال: «كيف يتسنى لي محو الشر من هذا العالم؟ وكيف يستطيع المرء ذلك دون أن يتحمل خطايا البشر؟ وهل لأدواء الإنسانية وشرورها علاج غير ذلك؟» أخذ يفكر في ذلك طول طريقه عله يجد حلا لهذه المشكلة، ولكن على غير جدوى، وكان قد وصل إلى مزرعة كبيرة، ورأى القمح فيها ناميا، وقد طالت سوقه ولم يبق على حصده إلا القليل، ثم لمح على بعد منه عجلا صغيرا يعدو في الحقل، وقد طار وراءه بعض الرجال يطاردونه بغية إخراجه من الحقل قبل إتلاف سوق القمح، ثم رأى في الطرف الآخر من المزرعة امرأة تعول وتصيح قائلة: «يا للداهية! إنهم سوف يقتنصون العجل فلا يلبث أن يقع صريعا بين أرجل جيادهم.» عند ذلك ناداهم ابن العراب بقوله: «ما هذا الحمق؟! تنحوا عن العجل ودعوا المرأة تناديه فلا يكبح جماحه غيرها.»
فأصغى الرجال لقوله وتنحوا عنه واقتربت المرأة من الحقل تنادي عجلها بقولها: «إلي يا (براوني)، إلي يا عزيزي الصغير.» فوقف العجل قليلا يرهف أذنيه نحو الصوت، ثم ما لبث أن عدا نحوها وارتمى في أحضانها فرحا.
فاغتبط الرجال وفرح العجل، وعلى هذه الصورة الجميلة انحل المشكل، ففكر الشاب في نفسه يقول: «حقا إن الشر لا يعالج بمثله، وقد دلني الاختبار أن الناس يزيدون نار الشر اضطراما كلما حاولوا إخماده بالجبر والعسف، ها قد أطاع العجل سيدته باللين واللطف، ففكر في ذلك طويلا دون أن يهتدي إلى حل معقول، وكان قد ترك الحقل متمما مسيره حتى وصل إلى قرية صغيرة، وما كاد يصل آخر القرية حتى أخذ التعب منه مأخذه، فتلفت يبحث عن مكان يرتاح فيه ليلته، فرأى منزلا صغيرا في آخر القرية، فسار إليه وطلب أن يؤذن له بالمبيت تلك الليلة، فاستقبلته صاحبة المنزل بالترحاب وأجلسته بالقرب من الموقدة ليستدفئ، ثم أخذت تتمم ما كانت فيه من تنفيض أثاث المنزل وترتيبه، وكانت قد أتمت كل عملها تقريبا، ولم يبق عليها إلا تنظيف مائدة الأكل؛ استعدادا ليوم الأحد، فمسحتها مسحا جيدا، ثم أحضرت خرقة قذرة تريد تنشيفها، وما كادت تضع الخرقة على المائدة حتى اتسخت ثانية، فأعادت غسلها ورجعت تنشفها بالخرقة عينها فاتسخت مرة أخرى.
وكان ابن العراب يراقب عملها بكل انتباه، وأخيرا لم يتمالك من أن يقول لها: «ماذا تصنعين يا سيدتي؟» فأجابته: «ألا تراني أستعد للغد، وقد أتممت كل عمل إلا هذه المائدة، فقد أعياني أمر تنظيفها.» فأجابها: «عبثا تحاولين يا سيدتي تنظيف المائدة بتلك الخرقة القذرة، إنما يجب تنظيف الخرقة أولا ثم تمسحين بها وهي نظيفة.» فامتثلت لقوله وتم الأمر كما تشتهي السيدة، فشكرته على نصيحته، وعند الصباح شكر حسن ضيافتها وسار في قصده حتى انتهى إلى غابة رأى عند مدخلها بضعة رجال يصنعون إطار العجلات، وعندما اقترب منهم رآهم يدورون حول قطعة من الخشب دون أن يتمكنوا من إحنائها، فنظر إلى قطعة الخشب، فرأى أنها غير ثابتة في الكتلة التي يدورون حولها.
فكانوا كلما داروا دار الخشب معهم، فتقدم منهم الشاب وطارحهم السلام، ثم سألهم عما يصنعون، فأجابوه: «ألا ترى أننا نضع إطارا للعجلات، وكثيرا ما حاولنا إحناء هذه القطعة، ولكن على غير جدوى.» فأجابهم بقوله: «كان عليكم أن تتأكدوا من ثبات الخشب في الكتلة أولا، ثم تشرعون في العمل؛ وإلا تدور معكم كما تدورون.» فعملوا بإشارته وتم الأمر على أحسن حال.
وأمضى الشاب ليلته معهم، وعند الصباح قام يضرب بقدميه على الأرض ثانية حتى وصل إلى كلأ من الأرض فيه بعض الرعاة وقد انتشرت مواشيهم ذات اليمين وذات الشمال، فاقترب منهم فرآهم يحرقون بعض الأعشاب؛ بغية إضرام النار ، ولكن النار ما كانت لتشتعل حتى كانوا يرمون عليها بعض الأعشاب الندية فتخمد لوقتها، ثم أعادوا العمل بنفس الطريقة فأصابهم من الفشل ما أصابهم في المرة الأولى، فتقدم إليهم الشاب قائلا: «أراكم أيها الرفاق تستعجلون بوضعكم الأعشاب الندية قبل شبوب النار، وإنما عليكم أن تنتظروا ريثما تشب النار تماما فتضيفوا إليها قدر ما تريدون من العشب.»
فعملوا بإشارته وتركوا النار حتى شبت تماما ثم أضافوا إليها أعشابا أخرى فاشتعلت واستخدموها فيما يريدون، ثم أقام الشاب بينهم ريثما استراح، وقام يتمم مسيره ثانية مفكرا في كل ما صادفه في طريقه وهو يحاول أن يجد له معنى ولكن لم يهتد إلى شيء.
وفي اليوم التالي وصل إلى أجمة أخرى، وفيها أبصر الكهف الذي يسكنه الراهب المعتكف، فضرب عليه الباب، فسمع صوتا ضعيفا يقول: «من هذا الواقف على الباب؟»
Página desconocida