Maravillas de la Imaginación
بدائع الخيال
Géneros
وما كاد يبلغ نصف الطريق حتى استوقفه رجل طارحه السلام وسأله عن وجهة مسيره، فأخبره بما وقع له ذلك اليوم، ثم ختم حديثه قائلا: «وإني الآن ذاهب إلى القرية المجاورة عساني أجد رجلا لا يأنف من أن يكون عرابا لطفلي.» فابتسم الرجل المجهول، وقال: «أنا أكفيك مئونة البحث والتعب، دعني أكون عرابا لولدك.» ما سمع القروي المسكين هذه الكلمات التي نزلت على قلبه بردا وسلاما حتى تهلل وجهه بالبشر، وتمتم بعض كلمات يشكر بها معروف الرجل، ولكن عاد فعبس ثانية كمن تذكر أمرا فاته، فقال وصوته يتهدج حزنا: «آه يا مولاي لم تنفرج الأزمة بعد، قل لي بربك، أين أجد امرأة طيبة القلب نظيرك تقبل أن تكون عرابته؟» - «لا تحزن يا صاح، فأنا أرشدك إلى امرأة صالحة تقبل ذلك عن طيب خاطر، اذهب إلى المدينة، وهناك في الساحة العمومية تجد منزلا مبنيا بالآجر، في مدخله حانوت، فاسأل عن صاحب هذا الحانوت، وعندما تقابله أخبره بالأمر، واطلب منه أن تكون ابنته عرابة لولدك، فإنه لا يردك خائبا.»
فهز القروي كتفيه بيأس كمن يرتاب في أمر لا يرجوه، ثم خاطب الرجل قائلا: «أمثلي يطلب من تاجر غني أن تكون ابنته عرابة لابني؟! لا ريب في أنه سوف يهزأ بشأني ويزدريني إذا تجاسرت على مثل هذا الطلب.»
فأجابه الرجل بملء السكينة: «لا تدع اليأس يتطرق إلى فؤادك، بل كن واثقا بأنه سيجيب طلبك، فأسرع يا عزيزي قبل فوات الوقت، وغدا صباحا تجدني حاضرا في حفلة التنصير.»
فقفل القروي راجعا إلى قريته، وامتطى فرسه وقصد المدينة يبحث عن حانوت التاجر، وعندما اهتدى إليه وترجل عن فرسه قابله التاجر بوجه باش وسأله عن حاجته، فأجابه والخجل يكاد يعقد لسانه: «اعلم يا سيدي أنه ولد لي في هذا الصباح طفل، وقد جئت أرجوك أن تتفضل بأن تكون ابنتك عرابته.» فسأله التاجر : «ومتى تكون حفلة التنصير؟» - «غدا صباحا.» - «حسن، سوف تكون ابنتي عندك غدا، فاذهب مطمئن البال.»
وفي اليوم الثاني حضر الرجل المجهول وحضرت ابنة التاجر، وبعد أن أتم الكاهن تنصير الغلام انصرف الرجل المجهول ولم يعلم عنه شيئا بعد ذلك اليوم. •••
مضت أيام وشهور كبر أثناءها الطفل وترعرع، فأدخله والداه مدرسة القرية، فتعلم فيها كل ما يمكن أن يتعلم، وخرج منها شابا متين العضل، قوي البنية، تلوح على وجهه أمارات الجد والإقدام.
جاء عيد الفصح فأشرقت منازل القرية وأكواخها بالأنوار، وخرج القرويون زرافات ووحدانا وعلى وجوههم سيماء البشر وأمارات السرور، أما طفل الأمس وفتى اليوم فكان يسير وحيدا منفردا مبتعدا عن الضجيج، يفكر في عرابه المحبوب؛ ذلك الرجل الطيب القلب الذي رضي بكل ارتياح أن يكون عرابا له في الوقت الذي أنف أهل قريته من هذا الأمر، ثم ناجى نفسه قائلا: «آه لو استطعت مقابلة ذلك الرجل الطيب؛ إذن لكنت أوقف كل حياتي على خدمته واحترامه.»
ما كاد يصل من حديث نفسه إلى هذا الحد حتى التفت إلى يمينه، وإذا به يرى شيخا يدب على عصاه، تلوح عليه الهيبة والوقار، وكان يدنو منه باسما وهو يقول: «تقدم يا بني ولا توجل، أما كنت منذ هنيهة تحدث نفسك مستفهما عن مقر ذلك الرجل الذي رضي أن يكون عرابا لك في طفولتك؟ فهذه المقادير جمعتك به لتقدم له تحية عيد الفصح.»
وعند ذلك ارتبك الشاب لهذه المباغتة، ولكنه سرعان ما تمالك نفسه وتقدم إلى الرجل باسما وشكره على معروفه السابق، وقدم له تحية العيد بأن قبله ثلاثا كما هي العادة، ثم خاطبه قائلا: «كم أكون مسرورا يا سيدي إذا شرفتني بمعرفة اسمك ومكان إقامتك لأقوم نحوك بما يجب للابن نحو عرابه!» - «لا سبيل إلى معرفة اسمي؛ إذ لا يهمك ذلك، وأما إذا رغبت أن تعلم مكان إقامتي فما عليك إلا أن تذهب غدا إلى هذه الغابة المجاورة وتمشي فيها، حتى ينتهي بك المسير إلى ساحة صغيرة محاطة بالأشجار الباسقة، فتقف في ذلك المكان قليلا تتأمل ما حولك، فترى طريقا ينتهي بك إلى قصر شاهق تحيط به حديقة غناء؛ هذا هو منزلي، وفي فناء هذا القصر تجدني في انتظارك.»
وما وصل الرجل من حديثه إلى هذا الحد حتى رفع الشاب رأسه ليتأمل وجه عرابه جيدا، وإذا به لا يرى أمامه سوى الحقول الخضراء، وعلى بعد منه يسمع ضجيج أهل القرية في سرورهم وابتهاجهم بالعيد، فقفل راجعا وهو كمن في حلم لا يصدق ما رآه، وأزمع المسير إلى الغابة صباح ذلك اليوم؛ ليتأكد صحة ما سمعه ورآه. •••
Página desconocida