Maravillas de la Imaginación
بدائع الخيال
Géneros
وكان مع ذلك الأعمى عبد يقوده، فلما وصل به إلى الظل أجلسه في مكان ثم التقط جوزة كانت ملقاة على الأرض وشرع في عمل سراج منها، فلف فتيلة من أليافها، ثم عصر منها زيتا في قشرتها، وغمسها فيه، وبينما كان العبد عاكفا على عمله تنهد الأعمى وقال له: ألم أك محقا عندما أخبرتك أنه لا توجد شمس، ألا ترى ما أشد الظلام، ومع ذلك فإن الناس ما زالوا يقولون: إن هناك شمسا! إذا كان ما يقولونه حقا؛ فليقولوا لي ما هي تلك الشمس؟ فقال له عبده: «أنا لا أعرف الشمس، ولا يعنيني أن أعرفها، ولكن أعلم ما هو النور، وها قد صنعت لنفسي سراجا أستطيع بواسطته أن أخدمك، وأن أجد ما أريده في كوخنا.» ثم رفع العبد قشرة الجوز قائلا: «هذه شمسي.»
فضحك لهذا القول رجل أعرج له عكازان كان جالسا على مقربة منهما وقال: «إنك على ما يظهر قضيت كل حياتك ضريرا، لا تعرف ما هي الشمس، إني سأخبرك عن ماهيتها، إنها كرة من نار تطلع كل صباح من جوف البحر، وتغيب بين جبال جزيرتنا في كل مساء، وكلنا نشاهد ذلك ونراه، ولو كنت بصيرا لرأيته أيضا.»
فقال صياد كان يستمع حوارهما: «يظهر أنك لم تخرج من هذه الجزيرة قط، فلو كنت غير أعرج، ولو كنت خرجت إلى ما وراء الجزيرة كما أخرج أنا في قارب الصيد؛ لعلمت أن الشمس لا تغرب بين جبال جزيرتنا، ولكنها كما تشرق من المحيط كل صباح، تغرب كذلك في البحر كل مساء، إن ما أقوله لك حق؛ لأنني أراه كل يوم بعيني رأسي.» فقاطعه حينذاك هندي من جماعتنا قائلا: «إنه ليدهشني أن يقول رجل عاقل مثلك نظير هذه الترهات، قل لي كيف يمكن أن تنزل كرة من النار في الماء ولا تنطفئ؟! إن الشمس ليست كرة من نار، بل هي الإله (ديفا) الذي يركب مركبة تدور حول الجبل الذهبي (مرد) أبد الدهر، وقد يحدث في بعض الأحايين أن الثعبانين الشريرين (راغو) و(كتو) يهاجمان ديفا ويبتلعانه فتظلم الأرض إذ ذاك، ولكن كهنتنا يصلون لأجل خلاصه فيخلص ، إن الجهال الذين على شاكلتك، والذين لم يتجاوزوا حدود جزيرتهم يتصورون أن الشمس تشرق في بلادهم فقط.»
وجاء الدور لربان مركب مصري كان حاضرا فقال: «لا. إنك أنت أيضا مخطئ، فإن الشمس ليست إلها، ولا تدور حول الهند فقط وحول جبلها الذهبي، إنني ركبت كثيرا من البحار فطفت البحر الأسود، وسواحل جزيرة العرب، وزرت مدغشقر والفلبين، فرأيت الشمس تضيء الأرض كلها، لا الهند وحدها، وشاهدتها لا تدور حول جبل، بل تطلع من أقصى الشرق وراء جزائر اليابان، وتغرب في أقصى الغرب وراء الجزر البريطانية، وهذا هو السبب في تسمية اليابان لبلادهم (نيفون)؛ أي مطلع الشمس، إنني أعرف هذا حق المعرفة؛ لأنني رأيت بنفسي كثيرا، وسمعت أكثر من جدي الذي وصل برحلاته إلى أقصى تخوم البحار.» كان المصري يود أن يستمر في كلامه لولا أن بحارا إنكليزيا من طائفة سفينتنا قاطعه فقال: «إنه لا توجد بلاد يعرف أهلها الشيء الكثير عن الشمس وحركاتها كإنجلترا، إن الشمس - كما يعلم كل واحد في إنجلترا - لا تطلع من مكان ولا تغرب في مكان، بل هي تدور دائما حول الأرض، ونحن على ثقة من هذا؛ لأننا طفنا العالم فكنا حيثما توجهنا نرى الشمس تبرز للأنظار في النهار، وتختفي في الليل كما هو الحال هنا.»
ثم أخذ البحار عصا وشرع يخط على الرمل دوائر محاولا أن يصور حركات الشمس في السموات ودورانها حول الأرض، إلا أنه كان عاجزا عن توضيح ذلك، فأشار إلى دليل السفينة وقال: «إن هذا الرجل أكثر مني علما بالأمر، وهو يستطيع أن يوضحه لكم تماما.»
وكان الدليل متوقد الذهن إلا أنه كان صامتا منذ البداية، مصغيا إلى كل ما قيل، فلم ينبس ببنت شفة حتى دعي للقول، فقال والكل مصغ إليه: «إنكم جميعا يخدع بعضكم بعضا وتغشون أنفسكم، إن الشمس لا تدور حول الأرض، ولكن الأرض هي التي تدور حول الشمس، وهي في أثناء دورانها هذا تدور حول نفسها مرة في كل أربع وعشرين ساعة، وفي تلك المدة لا ترى الشمس في بلاد اليابان والفلبين وسومطرا فحسب؛ بل ترى أيضا في أفريقيا وأوروبا وأميركا، وكثير من البلاد الأخرى، إن الشمس لا تشرق على بعض الجبال، أو على بعض الجزر، أو على البحار حتى، ولا على أرض واحدة فقط، بل هي تشرق على السيارات الأخرى كما تشرق على أرضنا، ولو أنكم نظرتم إلى السموات فوقكم، عوضا عن أن تنظروا إلى الأرض التي تحت أرجلكم - لاستطعتم أن تعرفوا ذلك كله، ولما تماديتم في الاعتقاد بأن الشمس تشرق عليكم فقط، أو على بلادكم وحدها.» هذا ما قاله ذلك الدليل العاقل الذي ضرب في أنحاء الأرض، وأكثر من رصد السموات العليا.
ولما بلغ الصيني تلميذ كونفوشيوس إلى هذا الحد قال: «وهكذا مسائل الاعتقاد والإيمان، إن الكبرياء والعناد هما سبب الاختلاف بين الناس، كما حصل من اختلاف أولئك القوم في حقيقة الشمس، إن كل واحد في الأرض يريد أن يكون له إله خاص به؛ على الأقل خاص بوطنه وقومه، وكل أمة تريد أن تحصر المعبود الحق في معابدها، وهو الذي لا تسعه السماوات، أيستطيع معبد من المعابد أن يضاهي ذلك المعبد العظيم الذي شاده الله ليوحد الناس ويجمعهم على عقيدة واحدة ودين واحد؟!
إن كل المعابد البشرية شيدت على مثال هذا المعبد الذي هو دنيا الله، إن لكل معبد جرن ماء معموديته وسقفه المعقود ومصابيحه وصوره أو دماه ونقوشه وكتب تشريعه وذبائحه ومذابحه ورهبانه، ولكن في أي معبد من المعابد يوجد جرن للمعمودية يشبه البحر المحيط، وسقف معقود كالسموات، ومصابيح كالشمس والقمر والنجوم؟! وأي رسوم تماثل الأحياء الطافحة قلوبهم بالحب الذين يعاون بعضهم بعضا؟ وأين البركات الكنسية من تلك العطايا الإلهية السهلة الفهم التي يمنحها الله لسعادة الإنسان؟ وأين يوجد قانون ناصع جلي يفهمه كل إنسان مثل ذلك القانون المنقوش في قلوب البشر وضمائرهم؟ وأي ضحية تساوي إنكار الذات الذي يفعله الرجال المحبون والنساء المحبات كل منهما للآخر؟ وأي مذبح يساوي قلب الرجل الصالح الذي يقبل الله الضحية عليه؟ إن قربى المرء من الله تكون بقدر سمو اعتقاده به تعالى، فكلما سما اعتقاد المرء بالله كلما كان أقرب منه وأدنى لتقليد كماله - جل شأنه - والتأسي برحمته ومحبته للإنسان، لهذا يجب أن يمتنع ذلك الذي يرى نور الشمس بأسره مالئا أرجاء الكون عن أن يلوم أو يحتقر الرجل الخرافي الذي يرى في صنمه شعاعا من ذلك النور في نفسه، بل وأن يمتنع أيضا عن لوم أو احتقار الملحد الذي هو أعمى لا يبصر شعاع الشمس مطلقا.»
هكذا تكلم الصيني تلميذ كونفوشيوس؛ فشمل السكوت كل من في النادي، وكان ذلك آخر العهد بينهم وبين المجادلة في الأديان والعقائد.
هوامش
Página desconocida