Maravillas de la Imaginación
بدائع الخيال
Géneros
نطق البرهمي بهذا القول وهو يظن أنه أقنع كل إنسان، إلا أن سمسارا يهوديا من الحاضرين رد عليه قائلا: «كلا إن معبد الإله الحق ليس في الهند، وما كان الله ليحمي طائفة البراهمة، إن الإله الحق ليس هو إله البراهمة، بل هو رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهو لا يحمي سوى شعبه المختار؛ شعب إسرائيل، إن شعبنا وحده هو المحبوب عند الله منذ بدء الخليقة، وإذا كنا اليوم مشتتين في أنحاء الأرض، فما ذلك إلا لأن الله يريد أن يبلونا؛ لأنه وعد أنه سيجمع شمل شعبه في يوم من الأيام في أورشليم، ويرجع حينذاك إلى البيت المقدس، أعجوبة الزمن القديم، مجده السالف، وسيكون إسرائيل يومئذ حاكم كل الشعوب.»
وبعد أن أتم اليهودي قوله انخرط في البكاء، ثم أراد إعادة الحديث، لولا أن قاطعه مبشر إيطالي كان هناك بقوله: «إن ما تقوله غير صحيح، وإنك لتفتري على الله؛ لأنه يستحيل أن يحب قومك أكثر من حبه سائر الأقوام، ولو كان حقا أنه فضل بني إسرائيل قديما فإنه قد مضى تسعة عشر قرنا منذ أن أغضبوه وحملوه على تدميرهم وتفريقهم أيدي سبأ في مناكب الأرض، فلم يجلب لهم إيمانهم أدنى سعادة، هذا الإيمان طوته يد الفناء، اللهم إلا ما بقي منه حقيرا هنا وهناك، إن الله لا يفضل قوما على قوم، بل هو يدعو الجميع - من أراد منهم النجاة والفوز - للالتجاء إلى أحضان كنيسة روما الكاثوليكية التي لا يجد الخارجون عن حدودها خلاصا.»
كان في الحلقة قسيس بروتستانتي، لم يكد يطرق سمعه هذا القول حتى امتقع لونه، والتفت إلى المبشر الكاثوليكي، وقال له: «كيف تقول إن الخلاص مختص بمذهبكم؟! إن الناجين هم الذين يعبدون الله بروح العزم والإخلاص كما نص الإنجيل وكما أمرت كلمة المسيح.» عند ذلك التفت تركي من الموظفين في جمرك سورات كان جالسا يدخن قصبته، وقال بروح الأنفة للمسيحيين: «إن إيمانكما بدينكما باطل؛ لأن الدين المسيحي قد نسخ منذ اثني عشر قرنا بدين محمد الحق. إنكما تعرفان - ولا شك - أن دين محمد الحق ما زال آخذا في الانتشار في كلتا القارتين: أوروبا وآسيا، حتى في بلاد الصين المتأخرة المظلمة، وقد قلتما نفساكما: إن الله نبذ اليهود، واستشهدتما على بطلان ديانتهم بذلتهم، وعدم انتشار دينهم، فاعترفا إذن بصحة الدين المحمدي؛ لأنه منتشر متفوق، سوف لا ينجو أحد سوى أتباع محمد خاتم النبيين، وينجو من أتباعه أشياع عمر
1
فقط! أما أشياع علي فلا؛ لأن إيمانهم باطل.»
هنا أراد اللاهوتي الفارسي الذي كان من شيعة علي أن يعترض، لولا أن ارتفع إذ ذاك ضجيج الحاضرين من مختلفي العقائد ومتبايني الأديان، فقد كان فيهم - عدا من ذكرنا - مسيحيون من الحبشة، ولاميون من التيبت، وإسماعيليون، وعباد نار، فتناقشوا كلهم في حقيقة الإله الحق، وكيف يجب أن يعبد، فتجادلوا واشتدت حدتهم؛ فكان كل واحد منهم يؤكد أن الإله الحق لم يعرف ولم يعبد كما يجب في غير بلاده، إلا رجل صيني من أتباع كونفوشيوس كان جالسا جلسة هادئة في زاوية من زوايا النادي يحتسي كئوس الشاي وهو مصغ لما يقوله الآخرون، ولا ينبس ببنت شفة، فلاحظه التركي جالسا هنالك، فتقدم إليه يقول: «إنك تستطيع أن تثبت ما قلته أيها الصيني الصالح، إنك تحافظ على هدوئك وسكينتك، ولكن أعلم أنك ستؤيد رأيي. إن تجارا من مواطنيك الذين يأتون إلي ملتمسين مني المساعدة أخبروني أن بالصين أديانا كثيرة، إلا أنكم - معاشر الصينيين - تعدون دين محمد خيرها جميعا وتقبلون على اعتناقه باشتياق زائد، تفضل إذن وأيد قولي ، بين لنا ما اعتقادك في الإله الحق وفي رسوله.»
فقال الباقون: «نعم، نعم.» ملتفتين إلى الرجل الصيني قائلين له: «ماذا ترى؟ دعنا نسمع رأيك في هذه المسألة.»
عند ذلك أطبق الرجل الصيني عينه وفكر برهة، ثم فتحها ثانية وقال بصوت هادئ رزين بعد أن أخرج يديه من كميه الواسعين وربعهما على صدره: «سادتي يخيل إلي أن الكبرياء خاصة هي التي تقف حجر عثرة في سبيل الاتفاق على مسائل الأديان، وإذا تفضلتم علي بالإصغاء فسأقص عليكم حكاية تشرح مسألة هذا الاختلاف.
لقد جئت هنا من الصين على ظهر سفينة إنكليزية طافت العالم، وقد اتفق أن فرغ الماء منا فاضطررنا أن نرسو في سواحل سومطرا الشرقية؛ لنتزود ماء، فاغتنم بعضنا هذه الفرصة ونزل إلى اليابسة، وكان الوقت ظهرا، جلسنا تحت ظلال صف من أشجار جوز الهند على بعد من إحدى قرى الجزيرة، وقد كنا من أجناس مختلفة، ولم يكد يستقر بنا المقام حتى أبصرنا رجلا أعمى يقترب منا، وعلمنا بعد ذلك أنه فقد باصرتيه من كثرة تحديقه بالشمس وهو يحاول أن يعرف ما هي؛ لأجل أن يقبض على نورها، وقد صرف وقتا طويلا لتحقيق هذه الأمنية بتحديقه المستمر في الشمس، ولكنه لم يجن من ذلك أي نتيجة سوى إصابة عينيه من شدة الضوء حتى أصبح ضريرا، فقال حينئذ يخاطب نفسه: إن نور الشمس ليس سائلا؛ لأنه لو كان كذلك لأمكن صبه من إناء لآخر، ولوجب أن يحركه الهواء كما يحرك الماء، وليس هو نارا؛ لأنه لو كان كذلك لوجب أن يطفئه الماء، وليس هو روحا؛ لأنه يرى بالعين، ولا مادة؛ لأنه لا يمكن تحريكه، وما دام نور الشمس غير سائل، ولا نار، ولا روح، ولا مادة، فهو لا شيء.
على هذا المنوال أخذ في القياس والجدل، وكانت النتيجة التي جناها من كثرة إحداقه بالشمس وتفكيره في ماهيتها أن فقد بصره ثم عقله، وقد ازداد رسوخا في عقيدته بعد عماه.
Página desconocida