Badaic Badaih
بدائع البدائه
حاشية العسكر المنصور من الكتاب، ودخلت سنة اثنتين ونحن مقيمون بالخدمة، مرتضعون لأفاويق النعمة، فحضرت مع من حضر للهناء، من الفقهاء والعلماء والمشايخ والكبراء، وجماعة الديوان والأمراء، في يوم من أيام الجلوس للأحكام، والعرض لطوائف الأجناد بالتمام، فلم يبق أحد من أهل البلد ولا من العسكر، إلا حضر مهنئًا، ومثل شاكرًا وداعيًا. فلما غص المجلس بأهله، وشرق بجمع الناس وحفله، وخرج مولانا السلطان - خلد الله ملكه - إلى محله، واستقر في دسته، أخرج كتابًا ناوله إلى الصاحب الأجل صفي الدين أبي محمد عبد الله بنعلي وزير دولته وكبير حملته، وهو مفضوض الختام، مفكوك الفدام، ففتحه فإذا فيه قطعة وردت من المولى الملك المعظم - أبقاه الله - كتبها إليه يتشوقه ويستعطفه لزيارته ويرققه، ويستحث عود ركابه إلى الشام للمثاغرة بها وقمع عدوها، ويعرض بذكر مصر وشدة حرها ووقد جمرها، وذلك بعد أن كان وصل إلى خدمته بالثغور ثم رجع:
أروى رماحك من دماء عداكا ... وانهب بخيلك من أطاع سواكا
واركب خيولًا كالسعالي شزبًا ... واضرب بسيفك من يشق عصاكا
واجلب من الأبطال كل سميدعٍ ... يفري بعزمك كل من يشناكا
واسترعف السمر اللدان وروها ... واسق المنية سيفك السفاكا
وسر الغداة إلى العداة مبادرًا ... بالضرب في هام العدو دراكا
وانكح رماحك للثغور فإنها ... مشتاقة أن تبتني بعلاكا
فالعز في نصب الخيام على العدا ... تردى الطغاة وتدفع الملاكا
والنصر مقرون بهمتك التي ... قد أصبحت فوق السماك سماكا
فإذا عزمت وجدت من هو طائع ... وإذا نهضت وجدت من يخشاكا
والنصر في الأعداء يوم كريهة ... أحلى من الكأس الذي رواكا
والعجز أن تمسي بمصر مخيمًا ... وتحل من تلك العراص عراكا
فأرح حشاشتك الكريمة من لظى ... مصرٍ لكي نحظى الغداة بذاكا
فلقد غدا قلبي عليك بحرقةٍ ... شغفًا، ولا حر البلاد هناكا
وانهض إلى راجي لقاك مسارعًا ... فمناى من كل الأمور لقاكا
وابرد فؤاد المستهام بنظرةٍ ... وأعد عليه العيش من رؤياكا
1 / 178