3
الحق، دين أهل الشام وبلاد العرب ومصر والحبشة، ولاشك أنهم سمعوا بعض القساوسة والرهبان يشيرون على الأسقف في فرحهم بهذا الفوز الباهر أن ينهض فيقصد بهم إلى الحيرة، ويدعو أسقف بني تغلب؛ ليذهب معهم هو وقسانه وفدا إلى مارية زوجة كسرى أبرويز وأختهم في المسيحية اليعقوبية، رافعين إليها آيات الشكر على برها بدينها، إذ حملت زوجها على قتال الروم وإبادة دين الكفر، ويقيموا الصلاة تلو الصلاة في الكنيسة التي أقامتها لعبادة الرب في بلاد المجوس؛ ليتم لها النصر بالاستيلاء على بيت المقدس، وتخليص الصليب المقدس من أيدي أدعياء الولاية عليه من بطارقة الروم على أن تعطيهم إياه؛ ليحفظوه عندهم في كنيسة نجران، بعيدا عن أيدي الطامعين، وأن الأسقف أقرهم على هذا الرأي السديد، وعزم على تنفيذه عندما يسترد شيئا من العافية التي فارقته بسبب كبر السن، وهو يأبى إلا أن يعزوها إلى الجو، وتقلب الأحوال، ولكنه ما كلف الشماسة إلا أن ينطلقوا فيوقفوا سلمان عن الرحيل، ويدعوه إليه. نعم سمعوه يقول في صوت المريض شيئا عن إزماع أحد الناس السفر في الغد، ولكن لم يخطر على بالهم أن في نجران أحدا تتأخر القافلة عن الرحيل من أجله، إلا بنو عبد المدان، وهؤلاء كان يمكنهم أن يقفوها من تلقاء أنفسهم بغير حاجة إلى الوساطة من الأسقف، ولذلك قدروا أنه الأسقف نفسه قد عزم على تنفيذ ما أجاب إليه القساوسة، وكذلك أنهوا إلى سلمان أنه مسافر في الغد، وتطوع الشماس الثاني بإبداء سبب سفره، فكان ما كان من غضب التجار، واستهزاء يهودي صنعاء، ووثني مكة بالأسقف الموقر على مسمع من أشياعه وأتباعه، ولذلك عنفهم الأسقف على سوء ما قالوا، وأوكل إلى كاتبه معاقبة القائلين عقاب الحمقى بضرب العصا وصفع القفا.
أما ما جرى فحقيقته أن باذان الوالي
4
الذي كان على اليمن أخبر معاونيه في الحكم من اليهود في صنعاء بما كان من اندحار جيوش هرقل في الشام، وتسلط الجنود المجوسية على الكنائس والأديار بالهدم والتقويض جزاء عناد أهليها وإقفالهم الأبواب في وجوه الجيوش.
وأن إخوانهم النازلين في أنطاكية وأذاسا
5
انضموا علانية إلى كسرى، وسبقوا المجوس فيما اقترفوه من أعمال التخريب، وعلموا كذلك أن الفرس في طريقهم إلى بيت المقدس، ولا بد أن يصنعوا فيه ما صنعوا فيما قبله من بلاد المسيحية. فتيقظت في نفس هؤلاء الحكام اليمنيين أمنيتهم القديمة، ألا وهي! إعادة مملكة أورشليم
6
في فلسطين إلى ما كانت عليه في عهدها الماضي، ورأوا أن يرسلوا إلى هؤلاء الإخوان وفدا يوقظ فيهم هذه الأمنية الغالية إن لم تكن قد تيقظت من قبل، ويشتركوا معهم في التدبير لتحقيق غاية الأماني هذه.
Página desconocida