12

Puerta de la Luna

باب القمر

Géneros

فإن أكن قد تأخرت كثيرا فالعمل العظيم يحتاج إلى توفر، والرأي لا ينضج في زمن قليل، وقد يكون للكاتب من حالة الناس ما يقعده عن العمل إذا نشط له، ويصرفه عن المضي في الطريق اضطرارا، بيد أني قد عجلت من المقصد بشيء منذ سنة 1913 فيما وضعت للتمثيل العربي من روايات تاريخية من قبيل ما عني

1

ولكن ذيوع الروايات التمثيلية في يد الممثل لا في يدي، وعرضها معلق على إرادته لا إرادتي، وإحسان أدائها مرتبط بكفايته لا كفايتي، وانتشارها بين الناس تبع لحالة الزمن معه لا معي، كما أن أكلها مقصور على المدن في مصر وبعض البلاد العربية القريبة منا، حين أريد أن أدنيه من كل عين وكل يد وكل قلب في مصر وبلاد العربية وأصقاع الإسلام، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، وأبلغه إلى إخواني في الإسلام الذين يتاخمون غير إخوانهم في البلاد النائية من آسيا وجزائرها، وإلى أرومة المجد والفضل المنتشرة فيما بين جدار الصين وأطراف نهر الطونة

2

أولئك الذين نصروا الإسلام فنصرهم، وأعزوه فأعزهم، والذين سيجد القراء ما طالت الحياة حلقات من هذه السلسلة خاصة بفضلهم؛ فلقد كان منهم علماؤه الأعلام الذين ستبقى مؤلفاتهم - ما بقي الدهر - أصفى مورد، وأصدق معلم لطلاب حكمة الدين والحديث والتفسير والشريعة والأدب واللغة والتاريخ وفنون العلم والعرفان طرا، والذين كان منهم الرجال العظام الذين وقف منهم الملوك والأمراء والجنود يذودون عن حياض الإسلام ذود الأسود، ويكتبون بأعمالهم المجيدة صفحات من أخلد صفحات التاريخ الإسلامي، والذين جعلوا للإسلام من حبهم للفنون فنونا خاصة به في العمارة والموسيقى والزخرفة وزينة الحياة في المدن والمنازل؛ إدراكا لمعنى نعمة الإسلام، وتحقيقا لمشيئة الله في قوله (تعالى):

قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة .

وسيكون محور غالب القصص تاريخ الإسلام فيما له علاقة بمصر، وإذا قلنا مصر فقد قلنا بلاد العرب والشام والعراقين وبرقة وإفريقية، وما يتصل بها شرقا وغربا؛ إذ إن جوهر الذين كانت لهم يد في صياغة أحوال الدنيا في وادي النيل منذ الفتح العمري رجال من أهل تلك الأقطار، فالإلمام بهم يتطلب حتما الإلمام بتاريخ هؤلاء العظام، والتوغل في بيئاتهم بما لا يقصر القول على مصر. بيد أن مصر كانت في جميع من الأزمان ذات اتصال وثيق بهذه الأصقاع؛ إما تابعة كما كانت في عهد الراشدين والأمويين والعباسيين الأول والعثمانيين، أو متبوعة كما كانت في عهد الفاطميين والأيوبيين وسلاطين المماليك البحرية والبرية، أو تابعة اسما ومتبوعة فعلا كما كان حالها أيام الطولونيين والإخشيديين والأسرة المحمدية العلوية القائمة.

وهل يملك كاتب مهمته ما ذكرت أن يتجاهل منابت من كان سكان السفينة وقلم التاريخ في يدهم، ويهمل مصادرهم وعلاقاتهم بالخلافة والخلافة نفسها، أو يقتصر من أمرهم على أعمالهم في مصر حين أن أمجد صفحاتهم إنما خطوه بسيوفهم في غير أرض مصر؛ كصلاح الدين، وبيبرس، ومحمد علي مثلا!

على أن أروع حوادث التاريخ الإسلامي، وأمجد وثائقه، وأملأها بالعبرة، وأصرحها في القول المنذر، إنما كان يوم حملت مصر أمانة الإسلام في القرون الوسطى دون سائر إخوانها من العوالم الإسلامية، ذلك يوم اجتمعت أوربة على حرب الإسلام لإبادته وإبادة العربية معه، فجاهدت مصر واستبسلت حتى أنقذت الإسلام للدنيا والعربية لأوطانها، ولن يمر كاتب بهذه الأحداث العظيمة حيث تصادم الشرق والغرب، أو بالأحرى حيث أخذ الغرب يعلننا بإرادة السوء التي لم تزايله حتى يومنا هذا

3

Página desconocida