وعلمنا أنهما من أصلين فاعلمه. قوله تعالى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ
[سورة المزمل، الآية: ٦] يريد السّاعة منشأ الحدوث ويقال فلان ناشئ ونشأت السّحابة من قبل البحر، ويجوز أن يكون ناشئة يراد بها الحدث لا الفاعل فيكون كاللاغية في قوله تعالى: لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً
[سورة الغاشية، الآية: ١١] أي لغوا وكالكاذبة في قوله تعالى: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ
[سورة الواقعة، الآية: ٢] أي كذب ومثل ذلك قم قائما أي قم قياما. قوله تعالى: هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا
[سورة المزمل، الآية: ٦] أي أبلغ في القيام وأبين في القراءة لما في اللّيل من السكون والقرار، ويجوز أن يريد أنها أشد على الإنسان وأشقّ لأنّ اللّيل للتودّع والرّاحة.
وقرىء وطاء بالواو والمد والمعنى أشدّ مواطاة للقلب إذا نقله السّمع.
ومنه قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ
[سورة الانشقاق، الآية: ١٦] إلى لا يَسْجُدُونَ
أول السورة إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ
والانشقاق والانفطار، والانفتاح يتقارب في المعنى وذلك من أهوال القيامة، وما يتغيّر فيها من الأمور، ويتبدّل. وقيل: المراد انشقّت بالغمام كقوله تعالى في موضع آخر: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ
[سورة الفرقان، الآية: ٢٥] . وجواب إذا محذوف لما يدل عليه ما عرف من أهوال القيامة وشدائدها وتخمر في النفوس وتقرّر.
والمراد إذا انشقت السّماء كان من أشراط القيامة فيكم ما عرفتموه، وتكرر عليكم وصفه، وقيل جوابه في قوله تعالى: إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ
[سورة الانشقاق، الآية: ٦] وقيل جواب إذا مضمر مقدم، والمراد اذكر إذا حدثت هذه الحوادث. وقيل جوابه أذنت، والواو زائدة. والنّحويون على اختلافهم يردّون هذا وكأنّ قائله شبهه بقوله تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها
[سورة الزمر، الآية: ٧١] لأنّ المعنى عنده فتحت والأجود عندي أن يكون جواب إذا قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ
[سورة الانشقاق، الآية: ٦] أي في ذلك الوقت يكون ذلك حالك، ومعنى أذنت لربّها أطاعت، واستمعت، وأجابت، وحقّت أي وجب ذلك عليها، وكانت محقوقة بالانشقاق.
وقوله تعالى: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ
[سورة الانشقاق، الآية: ٣] كأنّه بسط مجموعها وأخرج مضمونها وموعدها حتى تخلّت. قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ
[سورة الانشقاق، الآية: ٦] عموم دخلت الكافة تحته، وقوله تعالى: إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ
[سورة الانشقاق، الآية: ٦] يشير إلى ما قاساه مدة حياته واكتسبه في متصرّفاته ونيل فيه من سعادة وشقوة وحياة وإماتة، وما تزوّده من دنياه وأعدّه لأخراه، أي تسعى سعيا قد أتعبك وتلاقي له كل ما قدّمته من عملك وتصير من حميته إلى ما تستحقّه بفعلك. قال:
وما الدّهر إلّا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
وقوله: فَمُلاقِيهِ
من قولك: لاقيت من كذا جهدا وأذى، وقاسيت من كذا
1 / 52