وقوله تعالى: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ
روي عن الحسن فيه أنه قال: من فاته «١» عمله من التّذكّر والتّشكر كان له في اللّيل مستعتب ومن فاته باللّيل كان له في النّهار مستعتب.
وتلخيص الآية من أراد الاستدلال على الله، فتفكر في آلائه التي لا تضبط وتذكر أنعمه التي لا تحصى كانت أوقات اللّيل والنّهار ميسرة له مهيأة، فليأت منها كيف شاء، والشّكر كل ما كان طاعة وثناء على الله، ويكون بالفعل والقول جميعا قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ
[سورة سبأ، الآية: ١٣] قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ*
[سورة القمر، الآية: ١٧] ومن تأمّل هذا التّوسيع من الله عليه حتى لا وقت من أوقاته إلّا وله أن ينقطع فيه إلى الله من غير تضيق ولا مدافعة على أنّ الله تعالى شكور كريم يقبل الإنابة كيف اتفقت، فنعمته عند إنعام من شكره مثل نعمته حين يبتدئ من صنيعه، فسبحانه من منعم في كلّ حال.
ومنه قوله تعالى: انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
[سورة المرسلات، الآية: ٢٩] إلى لِلْمُكَذِّبِينَ
قوله تعالى: انْطَلِقُوا
لم يرد به الأمر بالانطلاق وإنما هو مقدمة يأس من المأمور وبعث على الأخذ في غيره على هذا قوله تعالى: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا
[سورة ص، الآية: ٦] وهذا في المعنى كقولهم: طفق يفعل كذا، وأقبل يأمر بكذا، وقم بنا نفعل وإن لم يكن، ثم اقبال وقيام ويقولون: ذهب يقول في نفسه وإن لم يكن منه ذهاب لأنّ المراد ما كان مهيأ لذلك وفي صورته وعلى هذا قولهم: تعال نفعل كذا وهلم نأخذ في كذا قوله تعالى: إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
الذي كذّبوا به في الدّنيا هو البعث والنّشور وملائكة الله وكتبه ورسله وشيء من ذلك لم يوجهوا إليه إنّما المراد صيروا إلى ما كنتم تحذرونه وتخوفون له فلا تعبأون به ولا تنزجرون لمكانه وهذا تبكيت وتقريع.
قوله تعالى: انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ
[سورة المرسلات، الآية: ٣٠] ذكر أهل التّفسير أنه يخرج لسان من النّار فتحيط بهم كالسّرادق، ثم تنشعب منه ثلاث شعب من الدّخان فيظللهم حتى يفرغ من حسابهم ويساقون إلى النّار ولا يمنع أنّ يكون المراد انطلقوا إلى ما كنتم به تكذّبون من شدائد عقابه وأليم سخطه. ويكون انطلقوا الثّاني شرحا للأوّل، وكالتّفسير له والمراد انطلقوا من العذاب إلى ما يلزمكم لزوم الظّل ولا روح فيه ولا راحة من الحركة، كما كنتم ألفيتموه في الدّنيا عند الحرب من لفح الهاجرة ولهب الحرور إلى الظّلال الثابتة بل يرمي بشرر يتطاير، وكأنّها في عظمها جمالات صفر، والجمالات جمع جمالة، وزيدت التاء توكيد التأنيث الجمع. وهذا كما يقال: بحر وبحارة وذكر وذكارة، وقد قرأ ابن
1 / 40