المائدة، الآية: ٣] أي سهّلته عليه ودمثته. وأما التأنيث في قال لها وقالتا فللفظ السّماء والأرض وكونهما في لغتهم مؤنثين، وأما جمع السّلامة في طائعين فلما أجرى عليهما من خطاب المميزين، وقد مضى مثله. وروي في التّفسير أنّ ابتداء خلق الأرض كان في يوم الأحد، واستقام خلقها في الاثنين، وبارك فيها وجعل فيها رواسي في تتمة أربعة أيام مستويات تامّات للسائلين عنها ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ
[سورة فصّلت، الآية: ١١] أي عمد فقضاهن سبع سماوات في يومين أي أحكمهما وفرغ منهما قال الهذلي:
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السّوابغ تبّع
وقيل: اللّام في للسائلين تعلق بقوله تعالى: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها
[سورة فصّلت، الآية: ١٠] والمعنى قدر الأقوات لكلّ محتاج إليها سائل لها، والأول أحسن في النّظم وأجود، ويجوز أن يكون المراد بقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ
أي قصد لبنائها من غير فصل ولا زمان كما يقال لمن كان في عمل وأريد منه إتمامه وترك الانقطاع عنه استقم ما أنت عليه ومعنى: جَعَلَ فِيها رَواسِيَ
[سورة فصّلت، الآية: ١٠] أي جبالا ثوابت تمسكها، وهذا كما قال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهادًا وَالْجِبالَ أَوْتادًا
[سورة النبأ، الآية: ٦، ٧] وقوله: سَواءً
المنتصب على المصدر أي استوت سواء، واستواء، ويجوز الرفع على معنى وهي سواء أي مستويات. ويجوز الخفض على أن يكون صفة لقوله في: أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً
[سورة فصّلت، الآية: ١٠] والمعنى مستويات.
وقوله تعالى: وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها
[سورة فصّلت، الآية: ١١] المراد بالوحي الإرادة والتكوين، والمعنى أخرج كل واحدة من السّماوات على اختلافها على ما أراد كونها عليه وقدّرها من مراده قال تعالى: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا
[سورة الأحزاب، الآية: ٣٨] وكما جعل السّماوات سبعا شدادا كذلك خلق الأرض سبعا طباقا بدلالة قوله تعالى: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ
[سورة الطلاق، الآية: ١٢] وقوله: وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظًا
[سورة فصلت، الآية: ١٢] يريد جعلنا الكواكب زينة للسماء وحفظناها من مسترقة السّمع، فالمصابيح يستضاء بها في الأرض ليلا ونهارا، وقال: وَحِفْظًا
لأنها باللّيل رجوم للشياطين، وانتصب بفعل مقدّر كأنه. قال: زيّنت بمصابيح، وحفظت بها حفظا، ثم ختم القصّة بأن قال: ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
[سورة فصلت، الآية: ١٢] نبه على حكمته فيما فعل وقدرته وأنه العالم بعواقب الأشياء حتى تقع وفق إرادته.
ومنه قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجًا
[سورة الفرقان، الآية: ٦١] إلى شُكُورًا
أراد بالبروج الحمل، والثّور إلى الحوت، فالفلك مقسوم بها، وكل برج منها ثلاثون قسما، ويسمى الدّرج وإنما قسّم الفلك بهذه القسمة ليكون لكلّ شهر برج منها لأنّ
1 / 38