النّعت والتّسمية، وجمع الفوائد الزّكية، وهجر الهوى والعصبيّة، وبيد الله تبليغ المراد وتوطير المرتاد.
واعلم أنّ مدار الأدب على الطّلب، وعمدته البحث، ومصرفه الرّغبة، والحث وأزمة الجميع بيد القريحة فإذا سلمت القريحة من عوارض الآفات وتملست من شوائب الأقذار، والعاهات، وترقّت في مدارجها من دلائل الرّسوم إلى حقائق الحدود أقبلت تصنع في نيل المطلوب صنعة من طبّ لمن حبّ، وإني وإن أنشأت هذا الكتاب فما في نفسي ادعاء الفضل على الأسلاف؛ وكيف أستجيز ذلك ومن ذكرتهم ننفق، وبشهاداتهم نتوثّق، وبين المسلم والمنازع ما بينهما من برزخ التّضاد، ولكن لمن ضمّ النّشر، وسوّى في البناء النّضد وتأنق في الإثارة، ثم بلغ وتناهى إلى الغاية، فسدّد حقه من العمل. نسأل الله تعالى حسن التّوفيق فيما نأتي ونذر، وعليه المعوّل في إيزاعنا شكر نعمته، وإعانتنا على ما تعرب من رحمته، ونعم المولى ونعم النصير.
هذا كتاب الأزمنة والأمكنة، وبيان ما يختلف من أحوالها ويتّفق من أسمائها، وصفاتها، وأطرافها، وإقطاعها، ومتعلقات الكواكب منها في صعودها وهبوطها وطلوعها وغروبها، وجميع ما يأخذ أخذها، أو يعدّ معها، أو لا ينفكّ في الوقوع والاستمرار منها، أو متسبّب بضرب من ضروب التّشابه، أو قسم من أقسام التّشارك إلى الدّخول في أثنائها موشّحة بما يصححها من أشعارهم وأمثالهم، وأسجاعهم ومقامات وقوفهم ومنافراتهم جادّين وهازلين، ومن كلام روّادهم وورّادهم وكتّابهم في ظعنهم وإقامتهم وتتبّعهم مساقط الغيث وبوارح الرّيح، وعندما يقيمون من الجدب، والخصب والسلم والحرب، وقري الضّيف في الشّتاء والصّيف، وأعيادهم، وحجهم، ونسكهم، ووجوه معايشهم ومكاسبهم، وآدابهم.
وقد صدرته بجميع آي من كتاب الله تعالى بعض حقائقه لتردد المعاني إذا شافهت الالتباس، بين الوجوب والجواز والامتناع فيتّسع أمد القول ويمتد نفسه بحسب الحاجة وعلى قدر العناية، ومن أنكر في طلب الحق واجبا، أورد جائرا، أو جحد ممتنعا فقد صافح الخذلان. كما أنّ من قصر وكده على ما لا يرد من دينه فائتا ولا يعمر ثابتا، فقد جانب حسن التّوفيق. وعلى الله في الأحوال كلها المعوّل والتّكلان.
وبعد الفراغ من ذلك أتبعته بالكلام في حقيقة الزّمان والمكان، والرّد على من تكلّم بغير الحق فهما بعد تتبّع لما أصله شديد، وبحث عنه بليغ، وردّ للسّابق من دعاويهم على اللّاحق «١» على الوارد إذ كانا عندي كالأصل في إلحاد أكثر الملحدين من الأوائل
1 / 13