2
من الكتاب، فيقصون عليه ما كان في الكتاب، وهو يلهو بذلك، ويعبث بهم وبكتابهم، وبسيدنا وبالعريف، وكان قد خيل إليه أن الأمر قد انبت
3
بينه وبين الكتاب ومن فيه، فلن يعود إليه، ولن يرى الفقيه ولا العريف، فأطلق لسانه في الرجلين إطلاقا شنيعا، وأخذ يظهر من عيوبهما وسيئاتهما ما كان يخفيه، وأخذ يلعنهما أمام الصبيان ويصفهما بالكذب والسرقة والطمع، ويتحدث عنهما بأشياء منكرة؛ كان يجد في التحدث بها شفاء لنفسه، ولذة لهؤلاء الصبيان. وما له لا يطلق لسانه في الرجلين، وليس بينه وبين السفر إلى القاهرة إلا شهر واحد؟ فسيعود أخوه الأزهري من القاهرة بعد أيام، حتى إذا قضى إجازته استصحبه إلى الأزهر، حيث يصبح مجاورا، وحيث تنقطع عنه أخبار الفقيه والعريف.
الحق أنه كان سعيدا في هذه الأيام؛ كان يشعر بشيء من التفوق على رفاقه وأترابه؛ فهو لا يذهب إلى الكتاب كما يذهبون، وإنما يسعى إليه الفقيه سعيا، وسيسافر إلى القاهرة حيث الأزهر، وحيث «سيدنا الحسين»، وحيث «السيدة زينب» وغيرهما من الأولياء، وما كانت القاهرة عنده شيئا آخر، إنما كانت مستقر الأزهر، ومشاهد الأولياء والصالحين.
ولكن هذه السعادة لم تدم إلا ريثما يعقبها شقاء شنيع؛ ذلك أن سيدنا لم يطق صبرا على هذه القطيعة، ولم يستطع أن يحتمل انتصار الشيخ عبد الجواد عليه، فأخذ يتوسل بفلان وفلان إلى الشيخ، وما هي إلا أن لانت قناة
4
الشيخ، وأمر الصبي بالعودة إلى الكتاب متى أصبح. عاد كارها مقدرا ما سيلقاه من سيدنا وهو يقرئه القرآن للمرة الثالثة، ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد؛ فقد كان الصبيان ينقلون إلى الفقيه والعريف كل ما يسمعون من صاحبهم. ولله أوقات الغداء طوال هذا الأسبوع، وما كان سيدنا ينال به الصبي من لوم، وما كان العريف يعيد عليه من ألفاظه، تلك التي كان يطلق بها لسانه مقدرا أنه لن يرى الرجلين!
في هذا الأسبوع تعلم الصبي الاحتياط في اللفظ، وتعلم أن من الخطل والحمق
5
Página desconocida