لاذت السيدة لاكرستين بالصمت بعض الوقت، لتترك الخنافس السوداء ترسخ في ذهنها، قبل أن تقول: «إنه لمن المؤسف حقا أن السيد فيرال سيغادرنا حين يبدأ سقوط الأمطار. سوف تبدو كياوكتادا خاوية تماما من دونه!»
قالت إليزابيث بلا مبالاة بقدر ما استطاعت: «ومتى تسقط الأمطار في العادة؟» «في أول يونيو تقريبا هنا. بعد أسبوع أو أسبوعين فقط من الآن ... يبدو من السخافة أن أذكر الأمر مجددا يا عزيزتي، لكنني لا أستطيع أن أبعد عن ذهني صورة تلك الفتاة المسكينة البائسة وهي في المطبخ بين الخنافس السوداء!»
تكرر ذكر الخنافس السوداء أكثر من مرة في حديث السيدة لاكرستين فيما تبقى من المساء. لكنها انتظرت حتى اليوم التالي لتقول بنبرة شخص يذكر خبرا غير مهم: «بالمناسبة، أعتقد أن فلوري سوف يعود إلى كياوكتادا في بداية يونيو. لقد قال إنه سيشارك في الجمعية العمومية للنادي. ربما من الممكن أن ندعوه للعشاء ذات يوم.»
كانت هذه المرة الأولى التي تذكر فيها أي منهما فلوري منذ اليوم الذي أتى فيه بجلد النمر لإليزابيث. بعد أن ظل شبه منسي لعدة أسابيع، عاد لذهن كل من المرأتين كملاذ أخير موحش.
بعد ثلاثة أيام أرسلت السيدة لاكرستين رسالة إلى زوجها ليعود إلى كياوكتادا. كان قد مكث في المعسكر طويلا بما يكفي ليستحق قضاء فترة في المقر. وقد عاد بوجه متورد أكثر من ذي قبل - وهو ما فسره على أنه سفعة شمس - وأصابت يديه رعشة شديدة حتى إنه صار بالكاد يستطيع إشعال سيجارة. إلا أنه احتفل برجوعه ذلك المساء بأن تحايل على السيدة لاكرستين حتى تخرج من المنزل، ودخل مخدع إليزابيث وأقدم على محاولة محمومة لاغتصابها.
طوال هذا الوقت كان ثمة فتنة أخرى قائمة، لا يعلم بها أي أحد من الأشخاص ذوي الأهمية؛ إذ إن «الساحر» (الذي كان بعيدا الآن، يبيع حجر الفلاسفة لقرويين سذج في بلدة مرطبان) كان قد أدى مهمته أفضل قليلا مما انتوى. وعلى أي حال كان ثمة احتمال أن تنشأ مشكلة جديدة؛ ربما بعض الغضب البعيد اليائس. حتى يو بو كين لم يكن يعلم شيئا عنه بعد. لكن كالعادة كانت الآلهة تحارب في صفه، فأي تمرد سيجعل الأول يبدو أكثر خطورة مما كان؛ ومن ثم يضيف إلى مجده.
الفصل الحادي والعشرون
متى تهبين أيتها الرياح الغربية حتى تهطل بهبوبك الأمطار الخفيفة؟ كان الأول من يونيو، يوم الجمعية العمومية، ولم تكن قطرة مطر قد سقطت بعد. حين مضى فلوري في ممشى النادي كانت شمس العصر، التي مالت أشعتها تحت حافة قبعته، لا تزال حامية، حتى إنها سفعت عنقه حتى ضاق بها. جاء البستاني مترنحا على الممشى، وقد لزجت عضلات صدره بالعرق، حاملا صفيحتي كيروسين مملوءتين بالمياه على خشبة مستعرضة على كتفيه. ألقى بهما على الأرض، فأراق القليل من الماء على قدميه السمراوين النحيلتين، وحيا فلوري. «قل لي يا أيها البستاني، هل ستسقط الأمطار؟»
أشار الرجل بغموض في اتجاه الغرب وقال: «لقد حجبتها التلال يا سيدي.»
كانت كياوكتادا شبه مطوقة بالتلال، وكانت شآبيب المطر تعلق بهذه التلال، لدرجة أنه أحيانا كانت لا تسقط الأمطار حتى آخر يونيو. كانت تربة أحواض الزهور، التي جرفت لكتل ضخمة مبعثرة، تبدو رمادية وصلبة مثل الخرسانة. ذهب فلوري إلى قاعة الجلوس ووجد ويستفيلد يتسكع لدى الشرفة، مرسلا نظره إلى النهر؛ إذ كانت الأستار قد رفعت. أسفل الشرفة استلقى غلام على ظهره في الشمس، وراح يشد حبل المروحة بكعب رجله مظللا وجهه بشق عريض من ورقة موز. «مرحبا يا فلوري! لقد صرت نحيلا للغاية.» «وأنت أيضا.» «هممممم، نعم. إنه الطقس اللعين. ليس لدي شهية إلا للشراب. يا إلهي، كم أتوق إلى سماع الضفادع حين تبدأ النقيق! هيا نتناول شرابا معا قبل مجيء الآخرين. يا أيها الساقي!»
Página desconocida