دخل الاثنان، وويستفيلد يقول بصوته الكئيب: «تفضل أنت أولا.» كان النادي من الداخل مكانا جدرانه من خشب الساج تفوح منه رائحة نفط خام، لا يزيد عن أربع حجرات فقط، احتوت واحدة منها على «مكتبة» مهجورة بها خمسمائة رواية تسلل إليها العفن، وضمت حجرة أخرى طاولة بلياردو قديمة وبالية، بيد أنها كانت نادرا ما تستخدم؛ إذ كانت أسراب الخنافس الطائرة تطن حول المصابيح وتتناثر على المفرش غالبية العام. كان هناك أيضا حجرة للعب الأوراق و«قاعة جلوس» تطل على النهر، فوق شرفة واسعة؛ لكن جميع الشرفات كانت في هذا الوقت مغطاة بأستار من الخيزران الأخضر في هذا الوقت من اليوم. كانت قاعة الجلوس حجرة لا تبعث على الراحة، على أرضيتها حصير من ليف جوز الهند، وذات كراس وطاولات من الخوص تناثرت عليها صحف مصورة لامعة. كان بها على سبيل الزينة عدد من صور «الجرو بونزو» وجماجم متربة لغزال السامبار. وكانت مروحة سقف، وهي تخفق متراخية، تذر الغبار في الهواء الفاتر.
كان في الحجرة ثلاثة رجال. أسفل المروحة تمدد على الطاولة رجل في الأربعين، متورد الوجه، حسن المظهر، منتفخ قليلا، واضعا رأسه بين كفيه، وهو يتأوه من الألم. كان هذا السيد لاكرستين، المدير المحلي لشركة أخشاب، وكان قد أسرف في الشراب الليلة السابقة، ويعاني من ذلك الآن. وقف إليس، المدير الإقليمي لشركة أخرى، قبالة لوحة الإعلانات، متفحصا إعلانا ومنظره ينم عن تركيز شديد. كان شخصا ضئيلا أشعث الشعر ذا وجه شاحب حاد الملامح وحركات مضطربة. وكان ماكسويل، مسئول الغابات بالإنابة، مستلقيا على أحد المقاعد الطويلة يقرأ مجلة «ذا فيلد»، لا يبدو منه سوى ساقين ضخمتي العظام وساعدين عريضين مكسوين بشعر ناعم.
قال ويستفيلد، وهو يمسك السيد لاكرستين بشيء من المودة من منكبيه ويهزه: «انظر إلى هذا الرجل العجوز الشقي. إنه مثال للشباب، صحيح؟ كنت سأصبح مثله لولا فضل الرب. إنه يعطيك فكرة كيف سيكون حالك في الأربعين من العمر.»
غمغم السيد لاكرستين قائلا كلمة بدت مثل «براندي».
قال ويستفيلد: «يا للرجل العجوز المسكين، دائما شهيد للشراب، هه ؟ انظر إليه وهو ينز من مسامه. يذكرني بالكولونيل العجوز الذي كان ينام من دون ناموسية. حين سألوا خادمه عن السبب قال: «بالليل يكون سيدي ثملا للغاية حتى إنه لا يشعر بالناموس؛ وفي الصباح، يكون الناموس ثملا للغاية حتى إنه لا ينتبه لسيدي.» انظر إليه؛ أسرف في الشراب ليلة أمس والآن يطلب المزيد. وستأتي ابنة أخيه الصغيرة لتقيم معه. ستأتي الليلة، أليس كذلك يا لاكرستين؟»
قال إليس دون أن يستدير: «اترك هذا السكير الثمل وشأنه.» وكانت له لهجة كوكني خبيثة. غمغم السيد لاكرستين مرة أخرى قائلا: «ابنة أخ! أحضر لي بعض البراندي، بحق المسيح.» «يا له من درس جيد لابنة الأخ، ها؟ أن ترى عمها ثملا سبع مرات في الأسبوع. أيها الساقي! أحضر براندي للسيد لاكرستين!»
جاء بالبراندي على صينية نحاسية ساق درافيدي أسمر جسيم ذو عينين صفراوين لامعتين مثل عيني الكلب. طلب فلوري وويستفيلد شراب الجين. ابتلع السيد لاكرستين بضع جرعات من البراندي واسترخى في مقعده، متأوها باستسلام أكثر. كان ذا وجه بريء ممتلئ، بشارب شبيه بفرشاة الأسنان. وقد كان رجلا ضعيف العقل جدا حقا، ليس لديه من الطموح سوى أن يحظى بما سماه «وقت طيب». وكانت زوجته تسيطر عليه بالطريقة الوحيدة الممكنة؛ ألا وهي ألا تجعله يغيب عن ناظريها لأكثر من ساعة أو ساعتين قط. مرة واحدة فقط، بعد زواجهما بعام، تركته لأسبوعين، وحين عادت قبل ميعادها بيوم على نحو مفاجئ، وجدت السيد لاكرستين، ثملا، تسنده على الجانبين فتاة بورمية عارية، بينما كانت ثالثة تقلب زجاجة ويسكي فوق فمه. ومن ساعتها وهي تراقبه، «كما يراقب قط جحرا لعينا لفأر»، كما اعتاد أن يشكو. بيد أنه تمكن من الاستمتاع بعدد كبير من «الأوقات الطيبة»، مع أنها كانت عادة أوقاتا عاجلة بعض الشيء.
قال لاكرستين: «يا إلهي، ماذا أصاب رأسي هذا الصباح؟ ناد ذلك الساقي مرة أخرى، يا ويستفيلد. يجب أن أحصل على براندي آخر قبل أن تصل زوجتي. تقول إنها سوف تخفض شرابي لأربع كئوس في اليوم حين تصل ابنة أخي.» ثم أردف في حزن: «محقهما الرب!»
قال إليس بغلظة: «توقفوا جميعا عن التحامق وأصغوا إلى هذا.» كان له أسلوب جارح في الكلام، حتى إنه لم يكن يفتح فمه دون أن يسب أحدا. وقد تعمد المبالغة في لكنته الكوكنية، للنبرة التهكمية التي تضفيها على كلماته. «هل رأيتم إعلان العجوز ماكجريجور؟ إنه هدية لكل فرد. استيقظ وأصغ يا ماكسويل!»
أنزل ماكسويل مجلة «ذا فيلد». كان شابا أشقر مشرق الوجه لا يربو عن الخامسة أو السادسة والعشرين؛ صغيرا جدا على الوظيفة التي يشغلها. يذكرك بأطرافه الثقيلة وأهدابه البيضاء الكثيفة بمهر جر العربات. نزع إليس الإعلان من على اللوحة بحركة بسيطة عنيفة ودقيقة وبدأ قراءته بصوت عال. كان قد نشره السيد ماكجريجور، الذي كان يعمل أمينا للنادي، بجانب كونه نائب المفوض. «فلتصغوا لهذا: «حيث إنه لا يوجد بعد أعضاء شرقيون في هذا النادي. وبما أنه من المألوف الآن قبول موظفي الحكومة الذين تنشر رتبهم في الجريدة الرسمية، سواء كانوا من أهل البلد أو أوروبيين، في عضوية أغلب الأندية الأوروبية، فلا بد أن ننظر مسألة اتباع هذا النهج في كياوكتادا. سوف يطرح الأمر للمناقشة في الجمعية العمومية التالية. من ناحية يمكن الإشارة إلى» ... حسنا، لا حاجة للخوض في الباقي. إنه لا يستطيع كتابة إعلان حتى دون أن تنتابه نوبة إسهال أدبي. على أي حال، بيت القصيد أنه يطلب منا خرق كل القواعد وأن نقبل بفتى زنجي صغير طيب في هذا النادي. الدكتور فيراسوامي العزيز، مثلا، الذي أدعوه الدكتور شديد اللزوجة. ستكون هذه مكافأة، أليس كذلك؟ أن يطلق زنوجا صغارا بكروش مستديرة لينفثوا رائحة الثوم في وجهك على مائدة البريدج. رباه، لا أطيق حتى التخيل. لا بد أن نتكاتف معا ونتمسك بموقفنا حيال هذا الأمر في الحال. ما رأيك يا ويستفيلد؟ وأنت يا فلوري؟»
Página desconocida