وسألني الدكتور «د. و» هل توقعون في مصر يمين الولاء؟ قلت له: ولاء لمن؟ قال: لبلادكم؛ قلت: ولاء المصري لمصر متضمن في كونه مصريا؛ فقال متهكما على ما هو سائد في أمريكا اليوم: نعم، وكان ولاء الأمريكي لأمريكا متضمنا في كونه أمريكيا، ثم تبدلت الحال معنا وأصبح الأمريكي في حاجة إلى أن يوقع يمينا بالولاء لبلاده.
السبت 6 فبراير
قرأت في مجلة «العالم الأمريكي» مقالين كل منهما غاية في الامتياز، وكل منهما غاية في جرأة التفكير ... أما أحدهما ففكرة جريئة فيما تعودت ألا أسمع عنه في ولايات الجنوب شيئا إلا دلائل الخوف والجزع، هو مسألة «الولاء للوطن» التي حدثني عنها أمس الدكتور «د. و»؛ فكل أستاذ جامعي في هذه البلاد (وقد يكون كل موظف حكومي على الإطلاق) يوقع وثيقة ولاء لبلاده، يتعهد في الوثيقة أنه لم يكن في يوم من الأيام ولا هو الآن ولا ينوي أن يكون في المستقبل منتميا إلى أي نشاط شيوعي، وبغير هذا «الولاء» لا يجوز أن يظل في منصبه.
أول المقالين الجريئين اللذين قرأتهما اليوم هو في هذا الموضوع، وعنوانه «الولاء والحرية»، يقول فيه كاتبه - وهو أستاذ في جامعة هارفارد: إن هذا «الولاء» حبس للحرية الفردية، وقد قام الدستور الأمريكي - بل المجتمع الأمريكي بأسره - بادئ ذي بدء على حرية الفرد، وكل شيء بعد ذلك إنما يستمد وجوده من تلك الحرية الفردية، ولن تكون للأفراد حرية إذا سيقوا جميعا في مجرى فكري واحد تنطمس فيه أوجه الاختلاف بين الأفراد، وإلا فما الفرق بيننا وبين روسيا الشيوعية في ذلك؟
نعم، إني أعيد هنا ما لاحظته فيما مضى، وهو أن الأمريكيين في جزع وفزع ورعب وخوف من الشيوعية، ويستحيل على الأجنبي أن يحس إحساسهم هذا إلا إذا جاء ليعيش بينهم حينا، ويرى كيف يتكلمون في هذا الموضوع همسا، يتكلمون وهم يتلفتون يمينا ويسارا خشية أن يسمعهم سامع دخيل ... قد لا يكون معنى ذلك أنهم راغبون في شيوعية، لكن معناه أنهم ساخطون على هذه الحركة العنيفة التي يقوم بها ماكارثي في البلاد كلها درءا للشيوعية، مما اقتضاه أن يطغى على حرية الأفراد وكل حرية عزيزة على الأمريكي، ولا يرضى بغيرها بديلا.
وأما ثانية المقالتين، فكانت هجمة عنيفة على الذوق الفني في أمريكا؛ إذ يزعم الكاتب أن الفن لا يجري في عروق الأمريكيين، بل هم يضيفونه إلى حياتهم إضافة الزائدة.
دعيت إلى القهوة عصرا في منزل الدكتور بتر مع السيد «ش» وزوجته الدكتورة الفيلسوفة «س. ش» ... والدكتور بتر كان رئيسا لقسم الفلسفة فيما مضى، وهو الآن متقاعد، يبلغ من السن حول الخامسة والسبعين، وكذلك زوجته تبلغ ما يقرب من هذه السن.
منزل الدكتور بتر أمنية يتمناها أي إنسان في الدنيا له شيء من الثقافة وحسن الذوق؛ رأيت منه بهوا وغرفة المكتب وهي التي جلسنا فيها ... البهو فسيح نوعا ما ومؤثث في بساطة وجمال ليس بعدهما زيادة لمستزيد؛ وأما غرفة المكتب فصغيرة بطنت جدرانها بالخشب، وفي هذه البطانة الخشبية ذاتها رفوف تدور مع جدران الغرفة الأربعة، ملئت كلها بالكتب، وأربعة مقاعد أو خمسة مختلفة الشكل واللون والحجم اختلاف التباين الجميل؛ وقد أوقدت نار المدفأة وأضيئت المصابيح الخافتة ذات المظلات المنقوشة في هدوء ورقة.
قالت الدكتورة «س. ش» إن هذا المنزل في رأي كثيرين من الناس هو «المسكن» الوحيد في مدينة بلمان؛ أما بقية البيوت «فمنازل» (إنني أستعمل كلمة «مسكن» لتقابل لفظة
home
Página desconocida