100

Dónde está el humano

أين الإنسان

Géneros

رأيت أن لا بد من النظر في أمر المواليد الثلاثة، النبات والحيوان والإنسان، فرأيت الإنسان يشارك النبات في الغذاء والتناسل، ويشارك الحيوان في ذلك، وفي الحركات الاختيارية، والحواس والإدراك والغرائز.

رأيت أنه كلما كان الحيوان أدنى كالبعوض والجراد والذباب لم يقم بتربية ولده، وكلما كان أكثر إدراكا، وأرقى غريزة، وأكمل شأنا، أوتي العطف على بنيه كالبقر والفيلة والأسود والقردة.

فعلمت أن تربية الولد والعطف على الذرية، ليس خاصا بالإنسان، فاتخاذ الأزواج عم الحيوان والنبات، وتربية الولد واضح في أعلى الحيوان. فقلت: لعل الإنسان ارتقى بجمعيته، وفضل بمدنيته، فألفيت كلاب البحر والغربان، والزنابير والنحل، والنمل لها جمهوريات منظمة، ومدنيات عجيبة. وأدهشني أن هذا الإنسان كان ظلوما جهولا، لا أدري كيف غفل حكماؤه، وتغاضى علماؤه، ذلك أن الزنابير مثلا في أي بقعة من بقاع الأرض لها جمعية منظمة، فيها رؤساؤها، ولم يحتج يوما ما نمل أواسط آسيا مثلا إلى رؤساء من نمل الصين، كما لم يحتج ذكران الأولين إلى إناث من الآخرين، أوليس من العجيب أن يكون الإنسان أقدر على الكذب والبهتان من كل حيوان! إن الإنسان ظلوم جهول.

ولقد تبين لي أن كل مخلوق من جماد ونام يترك ميراثا للعالم نافعا، فالنخل والشوك يخلفان لنا متاعا، وهكذا دود القز والنحل والنمر، تورثنا حريرها وعسلها وجلدها وهي لا تقصد ولا تريد، فأيقنت أن الفضيلة في نية الأعمال مع الأعمال، وألا فارق ما بين دود القز والنمر وبين الذي ترك مالا وثروة. وأي فارق بين الدود الذي ورثنا الحرير، وبين الجاهل الذي أرغم على ترك الثروة بالموت، وهو لم يخطر بباله يوما منفعة الإنسان؟ كلاهما أورثنا مالا ومنفعة وكلاهما لا يريد.

وكما أن الفرق بين الحصان والبعوض في الشمائل والفضائل، إن الأول يربي أولاده ويشفق عليها، والآخر قصر عن هذه الفضيلة، فهكذا يجب أن يمتاز الإنسان عن الحيوان الجمهوري النظامي، كالغراب والزنبور والنمل والنحل وكلاب البحر، بأن يعطف الجميع على الجميع، فأما أن تنفع أمة أمة، أو فردا فردا، بلا قصد ولا عمد، كما هي حال هذا الإنسان، فذلك عام في النبات والحيوان.

فوجب أن نبحث هذا الإنسان هل هو قابل أن يتميز في جمعيته عن الحيوان ويرتقي في مستقبل أمره أم سيحل عليه العذاب والخزي أمد الدهر؟

حينئذ توجهت إلى مبدع الكائنات، وباري النسمات، وقلت: يالله، العالم كله عجيب منظم، فما لي أرى الإنسان في شقاق بعيد؟ وقلت: لعل رؤساء الإنسان أقدر على ضبطه، وأحزم في سياسته، فوجدت أن رؤساء الأمم في أكثر أوقاتهم واجمون، ووجدت الأمم تكافئهم بالمال والجاه، كما يعاملون الصبي في المكتب يرفعونه إلى الأعلى ويكافئونه بالأدنى، يقولون: اقرأ ولك الحلوى، فيرى أن الحلوى من مواد الغذاء، مكافأة على ترقية العقل. ولئن جاز ذلك في الضحك على عقل الصبي، فلن ترضى به أنفس الأمراء، وإن كانوا لا يعلمون، إن الجزاء الأوفى في الدنيا من جنس العمل.

فإذا عطفوا على الرعايا، وأحكموا نظام الممالك، فلن يسعدهم تلقاء ذلك إلا حب الرعايا وإخلاصهم كما كان ذلك لأمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولذلك كان الملوك قديما يحتالون على الشعراء ليمدحوهم ليكون كتزين العجوز الشوهاء بالحلي والحلل، وكالتباهي بالزهر المجني من شجرة المقطوع من غصنه، يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه، وإذا أظلم عليهم قاموا، هؤلاء يسرهم برق المدح الكاذب ويسوءهم أن يسمعوا من الرعايا السخط والحقد في ظلمات الظلم المبين. وقارنت هؤلاء الرؤساء بما ينقل عن أمراء النمل فألفيتها موضع المحبة والإجلال، وإن النملات حين تتم عملها تنظر بعين الحب والإخلاص والمودة إلى الملكة كأنها تيمن بوجهها الكريم، فعلمت إذ ذاك أني لم أعثر على مزية الإنسان الاجتماعية التي ارتقى بها عن الجمعيات الحيوانية.

النبات كامل باه زاهر جميل الزهرات، باهر الثمرات، الحيوان تام النظام ألهمه الله ما يحتاجه، حتى إن العنكبوت والنمل والنحل والزنابير عالمات بقوانين نسجها وهندستها، وبناء منازلها، ونظام حياتها، وجني عسلها وتربية أولادها بلا مدرسة ولا تعليم ولا تدريب. قال: ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.

فتبين لي من هنا شيئان، عدم ارتقاء الإنسان عن الحيوان في نظام جمعيته، وحاجته للتربية والتعليم، وفهمت أنه كان ظلوما جهولا.

Página desconocida