Mis Documentos … Mi Vida (Primera Parte)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Géneros
هذا هو صوت أمي ذلك اليوم، في عينيها نظرة غريبة لا تشبه أمي، عيناها ليستا هما عينيها، هما عينا طنط نعمات أو فهيمة أو هانم، النظرة المزدوجة، ظاهرها الفرح باطنها الحزن، الصدق الكذب، الكره الحب.
كنت أدخل إلى الضيوف دائما حاملة الصينية، من فوقها فناجين القهوة وأكواب الماء، منذ أدركني البلوغ أو الحيض أصبحت أختي الأصغر «ليلى» هي التي تقدم القهوة، أو الخادمة سعدية.
العروسة والعريس
هذا الضيف غير عادي، لماذا أقدم له القهوة وليست أختي ليلى أو الخادمة؟ إذا كانوا قد دبروا خطة ما فسوف أفسدها، لن تنتصر علي هؤلاء النسوة المجتمعات في الصالة، ضحكاتهن ترن في أذني، ماذا يضحكهن بهذا الشكل الوقح؟ لماذا تكركر بضحكة أنثوية ماجنة ممطوطة، لم أسمع ضحكة أمي بين هذه الضحكات، شعرت بنوع من الطمأنينة، أتقف أمي بجانبي؟!
الضحكات تنقطع فجأة وأسمع الهمس أو الهسيس يرن في أذني أكثر وقاحة من الضحك، أراهن من شق الباب جالسات متكئات متلاصقات فوق الكراسي والكنب البلدي، يرن صوت أبي أو رجل في غرفة الصالون، فينتفضن كالدجاجات المذعورات يطاردهن ديك في عشة الفراخ يبغي اغتصابهن، يتنافسن عليه، تشده الواحدة منهن إليها بيدها، وتطرده بعيدا عنها باليد الأخرى.
أهو الانفصام أو الحلم بالاغتصاب؟ تخفيه الواحدة منهن في الأحشاء كالجنين السفاح، تحوطه بذراعيها حين تغيب في النوم، يطل في عينيها حين تصحو مثل جذوة نار مغطاة بالتراب في حفرة أرض. تحت عيونهم الرمادية الصفراوية الباردة أرى شعيرات دموية متفجرة بلون أحمر. عيناي، أيمكن أن يصبح لهما هذا اللون أو هذه النظرة المزدوجة؟ احتراق تحت السطح، وقناع أبيض فوق الوجه من مسحوق البودرة، يشبه الجير أو الجبس المذاب في الماء؟
كنت أهرب من عيونهن، لا أطيق النظر فيها، وفيها مرض معد مثل الجذام، ما إن تلامسني نظراتهن حتى ينتقل إلي المرض.
الليلة السابقة لمجيء هذا الضيف لم أذق طعم النوم من الهسيس، التقطت كلمة «العريس»، جلست في الفرندة وحدي طوال الليل.
وجهي محتقن بالدم، يداي فوق خدي ملمسها خشن، خدش القضبان الحديدي فوقهما، صورته أمامي واقفا تحت نافذتي، صوته يسري في أذني: أهلا نوال. صوته في الغياب أكثر عذوبة ورقة، الحزن على الغياب ينقيه من الشوائب كلها، ومنها الحزن ذاته، رقيق شفاف مثل رذاذ المطر، ينتشر في السماء، ملايين الذرات الضوئية تنقي الهواء من الرمل والتراب المتطاير.
نسمة الليل الناعمة، أنامل حانية تلامسني، يزحف الحزن إلى جسدي، يذكرني الحنان بغياب الحنان، تتعلق عيناي بنجمة بعيدة وحيدة تلمع عيناها بالدموع، ضوءها ثابت قوي، لا ترتعش كالنجوم الأخرى، أتكون هي نجمتي؟! كان أبي يشير إليها ويقول: «كوكب الزهرة.» كانت عند العرب قبل الإسلام واحدة من الإلهات اسمها «العزى»، تحولت إلى امرأة عاهرة منكوشة الشعر شبيهة «بالوحش»، قادرة على إغواء الرجال، على إخراج الله من قلوبهم، أغوت رجلين هما هاروت وماروت، بعد أن أغوتهما أرادت الصعود إلى السماء، الله منعها من الصعود، أوقفها في منتصف الطريق بين الأرض والسماء، أصبحت هذه النجمة الوحيدة بلا حول ولا قوة، تحمل اسما آخر غير اسمها الأول. السماء في الليل مخيفة، محاطة بالأسرار، عيون الله تراني جالسة في الفرندة، وعيون الجان، الذين ورد ذكرهم في القرآن.
Página desconocida