فأضجرت فلسفتها هذه الفسلفة، فقالت وابتسامتها ظاهرة على قولها: وأما قبل؟
12
قلت: وأما قبل فكأنما أنا المكان الحي الذي تئن فيه الأشياء أنينها الباكي، وتبتغي فيه موسيقى الحب من أوتار متقطعة متبعثرة إن جاءت بشيء فبأنغام موتى أو مرضى، وإني لأحسب الدنيا كلها تصدح من حولك تلقين فيها النغم، ثم لا تحبسين الصمت إلا لي أنا وحدي.
قالت: أف للشاعر من الشاعر نفسه! أنت كما تريد من الحياة مسرة لابتسامك تريد منا آلاما لعبوسك الشعري، وإذا لم تجد الألم أوجدته واخترعته، كأنه لا بد لمن يصنع شعرا أن يصنع مقادير يفرح بها ويحزن!
ما أراني أفهم عنك حين تقول: السماء والطبيعة وهي، والشمس والقمر وهي، والخير والشر وهي: فأنت وحدك تفهم هذا؛ لأن للشعراء شياطينهم، فلك مثلهم شيطان يحدثك وتحدثه، وترى ما اسمه.
قلت: اسمه «هي» ...
وكأنما كان الشيطان غائبا في سفر طويل، ورجع عند ذكر اسمه، فلما رآها هي اسمه ألقى فيها سحرا من سحره فإذا على ثغرها برهان ثغرها ... وقالت: اسكت!
قلت: لقد عرفنا الشيطان باسمه ...
قالت: اسكت!
قلت: ما يسكتني ولا الشيطان نفسه.
Página desconocida