فقالت وهي تجفف عينيها: سأبكي كثيرا، أنا الآثمة يا أدهم! - لست دونك إثما، لو لم تلقي مني ضعيفا نذلا ما وقع الذي وقع. - الذنب ذنبي وحدي.
فهتف بغيظ: إنك تحملين على نفسك لتتقي حملتي عليك!
فباخت حميتها في اتهام نفسها وأحنت رأسها مليا، ثم عادت تقول بصوت ضعيف: لم أكن أتصور أن تبلغ قسوته هذا الحد! - إني أعرفه، ولا عذر لي.
فترددت قليلا ثم قالت: كيف أعيش هنا وأنا حبلى؟! - في هذا الخلاء نعيش بعد البيت الكبير، ليت للدموع جدوى، ولكن ليس أمامنا إلا أن نقيم كوخا لنا. - أين؟
فنظر فيما حوله، ووقف نظره قليلا صوب كوخ إدريس، ثم قال بقلق: لا يجوز أن نبتعد كثيرا عن البيت الكبير ولو اضطررنا إلى البقاء غير بعيد من كوخ إدريس، وإلا هلكنا وحدنا في أطراف هذا الخلاء.
ففكرت أميمة قليلا، ثم قالت بوجه مال إلى الاقتناع برأيه: نعم، ولكي نبقى على مرمى بصره لعله يرق لحالنا.
فتأوه أدهم قائلا: الحسرة تقتلني، ولولاك لتوهمت ما بي كابوسا، هل يجفوني قلبه إلى الأبد؟ لن أتطاول عليه كإدريس، هيهات، لست كإدريس في شيء، فهل ألقى المعاملة نفسها؟
فقالت أميمة في حنق: لم تعرف هذه الأحياء أبا مثل أبيك.
فتساءل بعينين حادتين: متى يتوب لسانك؟!
فانفعلت قائلة: والله ما ارتكبت جريمة ولا إثما، خبر من تشاء بما فعلت وبما نلت جزاء ما فعلت، وأراهنك على أنه سيضرب كفا بكف، والله ما عرفت الأبوة أبا كأبيك. - ولا عرفت الدنيا رجلا مثله، هذا الجبل وهذه الصحراء وهذه السماء تعرفه، ومثله يجن عند التحدي. - بهذا الجبروت لن يبقى في البيت أحد من أبنائه. - نحن أول الخارجين فنحن شر من فيه.
Página desconocida